أيقونة القدس سرديات من حياة المطران كبوجي
صدر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب جديد للكاتب مهدي حنا بعنوان "أيقونة القدس… سرديات من حياة المطران كبوجي". يأتي هذا الإصدار ليعيد إحياء سيرة أحد أبرز الشخصيات الكنسية المناضلة التي ارتبط اسمها بالقضية الفلسطينية، المطران هيلاريون كبوجي، الذي شكّل حضوره ومواقفه الجريئة جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة النضال الفلسطيني والعربي. الكاتب، بأسلوبه السردي الشائق ولغته البسيطة الممتنعة، يحاول أن يفتح نافذة للقارئ، وبالأخص للأجيال الجديدة التي لم تعاصر المطران، كي تتلمّس تفاصيل حياته ونضاله العادل في مواجهة الاحتلال الصهيوني. فالكتاب لا يقدّم مجرد سيرة شخصية، بل يستعرض لوحة متكاملة لمراحل متعددة من تاريخ فلسطين الحديث، من النكبة مروراً بالمقاومة، وصولاً إلى حاضر الصراع المفتوح.
يقع الكتاب في 280 صفحة، تتوزّع على سرد ممتع ودقيق لمجمل محطات المطران النضالية والإنسانية. يرافق القارئ في رحلة زمنية توثّق لحظة بلحظة صلابة موقفه، ومجاهرة صوته دفاعاً عن فلسطين وعن كل القضايا العربية العادلة. لا يكتفي المؤلف بالتوثيق، بل يضفي على السرد طابعاً أدبياً مشحوناً بالعاطفة والوعي، مما يحوّل النص إلى شهادة حية تختزن معنى المقاومة وتخلّدها. لقد عاش المطران كبوجي تفاصيل النضال الفلسطيني بكل جوارحه، وكان صوته حاضراً دوماً في ساحات المواجهة، ومواقفه واضحة، لا تعرف المساومة ولا المواربة. لذلك لم يكن مجرد رجل دين، بل رمزاً من رموز المقاومة الوطنية، وأيقونة تتجسّد فيها أبعاد النضال الفلسطيني بأكمله. من خلال هذا الكتاب، يقدّم مهدي حنا للمكتبة العربية عملاً لا يقتصر على السرد التاريخي، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة الاعتبار لذاكرة شعب قاوم وحمى هويته، ويؤكد أن شخصية المطران كبوجي هي إحدى الشواهد الحيّة التي تزيّن سماء فلسطين، وتذكّرنا دائماً بأن التاريخ لا يكتبه المنتصرون فقط، بل أيضاً أولئك الذين آمنوا بعدالة قضيتهم ودفعوا ثمنها.
أهمية هذا العمل تتجلى أيضاً في كونه ردّاً مباشراً على السرديات المزيّفة التي يحاول الاحتلال فرضها، إذ يرسّخ الكتاب الهوية الفلسطينية والعربية عبر إعادة استحضار الرموز التي شكّلت ركائز أساسية في الذاكرة الوطنية. فالتأريخ لسيرة المطران كبوجي ليس مجرد فعل تذكّر، بل هو تثبيت للحق في الوجود، ومقاومة بالكلمة ضد محاولات الطمس والتشويه.
إن كتاب "أيقونة القدس… سرديات من حياة المطران كبوجي" ليس فقط تكريماً لشخصية عظيمة، بل هو دعوة مفتوحة للقارئ العربي، وخصوصاً الأجيال الصاعدة، للتعرّف على مسيرة نضالية متفردة تجسّد إرادة شعب بأكمله. فالكاتب من خلال عمله هذا، يضع بين أيدي القراء أيقونة مضيئة من تاريخنا الحديث، لتظل شاهدة على أن فلسطين كانت وما تزال قضية كل الأحرار في العالم.