الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بئر يوسف.. سيرة شاعر من جيل الثمانينات في العراق

بواسطة azzaman

بئر يوسف.. سيرة شاعر من جيل الثمانينات في العراق

 حيدر عبد الرحمن الربيعي

 

مدخل: العنوان كعتبة للنص

لم يكن اختيار عنوان *بئر يوسف* صدفةً عابرة، فالبئر في المخيال رمز الغور والابتلاء، ويوسف هو البراءة المهددة ثم النجاة التي تأتي من حيث لا يُتوقع. بهذا يضع المؤلف نفسه في موقع يوسف، المساق إلى بئر القدر، لكنه يحمل معه حلم الشعر وإمكانية الانبعاث من الظلمة.

السيرة بوصفها شهادة جيل

لا يتوقف الكتاب عند السيرة الشخصية، بل يتسع ليكون شهادة على جيل شعري كامل، هو جيل الثمانينات في العراق. جيل تفتّح وعيه على الحروب، وتكسرت أحلامه على حصار الزمن، لكنه ظل يقاوم بالكلمة. السيرة هنا تتحول إلى نص موازٍ للتاريخ العراقي، حيث يصبح الوطن نفسه بئرًا يبحث عن يوسف للخلاص.

الذاكرة والطفولة

يستدعي المؤلف طفولته الأولى، الأزقة والمدارس وأول المواجهات مع قسوة الواقع. تفاصيل تبدو صغيرة لكنها شكلت وعيه الشعري لاحقًا. في هذا الاستدعاء يتحول الماضي إلى وقود للكتابة، حيث الذاكرة ليست مجرد حنين، بل بئرًا تُستخرج منه لغة القصيدة.

الحرب كقدر ثقيل

جيل الثمانينات لم يُمهل ليستنشق الحرية. الحرب حضرت في كل تفاصيل الحياة: الجبهات، الجنائز، الغياب، الخوف. المؤلف يكتب بلسان الشاهد والفاعل، يحول الألم إلى شعر، ويصوغ من التجربة المرة رؤيةً تتجاوز اللحظة لتلمس أفقًا إنسانيًا أوسع.

الشعر كمقاومة

في مواجهة القهر، يصبح الشعر مقاومة، نوعًا من الصلاة السرية. ليس ترفًا بل ضرورة وجودية تحفظ للذات اتزانها. يظهر في السيرة أن اللغة لم تكن أداة للتعبير فقط، بل وسيلة للنجاة من العدم، وخط دفاع داخلي في وجه الانكسار.

اللغة والأسلوب

أسلوب السيرة يتأرجح بين البساطة والتوهج، بين السرد الموضوعي واللمعة الشعرية. النص مكتوب بحرارة التجربة، بحيث يقترب القارئ من المؤلف لا كرمز بعيد، بل كإنسان محمّل بالقلق والأسئلة. هذا المزج بين التوثيق والبوح يمنح النص طزاجة وحميمية.

قراءة نقدية: القوة والضعف

- مواطن القوة:

  - صدق التجربة وحرارتها الإنسانية.

  - توثيق مرحلة أدبية واجتماعية مضطربة.

  - لغة سلسة متخللة بلمحات شعرية.

  - ربط التجربة الذاتية بسياق الوطن العام.

 

- مواطن الضعف:

  - هيمنة الصوت الذاتي أحيانًا على حساب المقارنة مع تجارب الجيل.

  - إسهاب في تفاصيل شخصية لا تضيف إلى البعد الفني.

  - الحاجة إلى تحليل نقدي أعمق للنصوص الشعرية.

البعد الرمزي والوجودي

*بئر يوسف* ليس مجرد عنوان، بل استعارة لرحلة وجودية: السقوط في قاع الغياب والبحث عن النور. السيرة ذاتية، لكنها أيضًا سيرة وطن بأكمله، وطن حُفر فيه بئر عميق وما زال ينتظر أن يصعد منه يوسف جديد.

خاتمة

يمثل الكتاب شهادة وجدانية وأدبية على جيلٍ حمل عبء التاريخ العراقي الحديث. ليس مجرد وثيقة تأريخية، بل نص أدبي يتجاوز حدود السيرة ليغدو مرآة للإنسان في صراعه مع القدر. إنه نص يواجه القارئ بسؤال وجودي: كيف يواصل الشاعر الغناء وهو في البئر؟


مشاهدات 627
الكاتب  حيدر عبد الرحمن الربيعي
أضيف 2025/09/21 - 2:46 PM
آخر تحديث 2025/09/26 - 10:41 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 121 الشهر 19358 الكلي 12037231
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير