بنيوي وصعوده الدرج
أحمد جاسم الزبيدي
في محاويل الصباغية، التي اشتهرت بقصة «كرامات علي بن الحسين» في ستينيات القرن الماضي، عاش بين الناس رجل ضرير اسمه بنيوي. لم يكن صاحب كرامات، لكنه كان صاحب نكتة حاضرة وبديهة سريعة، يحفظ الشعر ويضحك الجلساء في المقهى أكثر مما يضحكهم فوز فريقهم في «الدومينو».
يروي لي صديقي المرحوم طارق بديوي أنه ذات يوم شكا بنيوي من الأرق. فنصحه أحد أصحابه: -»عزيزي بنيوي، حين تستلقي على الفراش، تخيّل نفسك تصعد درجًا، وابدأ بعدّ الدرجات… ستنام بعد قليل». في اليوم التالي، التقى الأصدقاء في المقهى وسألوه عن «الوصفة السحرية». تنحنح بنيوي وقال: -»والله صعدت… وصعدت… وبدأت أعد الدرجات. وصلت مليون درجة، وكنت على وشك أن أطخ السماء، وإذا بصفعة قوية تصك وجهي وصوت يصرخ: انزل ولك، تريد توصل إلى الله؟» فتدحرجت من أعلى الدرج وتمرغلت بالأرض وقهقه بصوت عال جلب انتباه الجلاس ، وضحك معه الجميع حتى دمعت العيون. العراق… سلالم لا تنتهي حكاية بنيوي ليست مجرد طرفة، بل هي أشبه بمرآة لحالنا نحن العراقيين. كل مرة نحاول أن نصعد سلم الأمل: ننتظر كهرباء مستقرة… فإذا بالصفعة تأتي على شكل قطع مبرمج يتزامن مع امتحانات الطلبة أو مع مباراة المنتخب ! نرجو مدارس جديدة… فإذا بالصفعة «مدرسة من كرفان» بلا مقاعد، يُدرّس فيها المعلم وهو واقف مع التلاميذ ,
نحلم بمستشفى يليق بالبشر… فإذا بالصفعة «مستشفى ينهار سقفه» قبل افتتاحه الرسمي. نسمع عن مشاريع إسكان… فإذا بالصفعة «طابور التسجيل» أطول من سلم بنيوي نفسه.
الصفعة الوطنية
أحلام العراقيين لا تختلف كثيرًا: الشاب يحلم بوظيفة بعد التخرج ، لكن الصفعة تأتيه بواقع «انتظر بالدور في الطابور» ، والانتظار يمتد لسنين . العائلة تحلم ببيت صغير، لكن الصفعة تقول: «القروض ممنوعة إلا للنواب».
الموظف يحلم براتب يكفيه آخر الشهر، لكن الصفعة هي ارتفاع ألاسعار لارتفاع سعر الدولار قبل الراتب بيومين. الضحك كوسيلة للبقاء
العراقي اليوم يشبه بنيوي: لا يفقد حسه الساخر حتى وهو يتدحرج من أعلى الدرج. والصفعات لم تعد تُشعره بالدهشة بقدر ما تجعله يحمد الله أن السقوط لم يكسر عظامه بعد. هكذا نحيا: نضحك وسط الألم، نعدّ درجات لا تنتهي، ونحلم أننا يومًا سنصل، ولو سلّمنا أن السلم أطول من عمرنا جميعًا.