نحو دور أكبر للناتو

العراق .. الإنسحاب الأمريكي والصراع الإقليمي

مجاشع التميمي

توجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى بروكسل لإلقاء كلمة أمام مجلس شمال الأطلسي، بدعوة من الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته. هذه الخطوة تحمل في طياتها أكثر من بُعد بروتوكولي؛ فهي انعكاس لمكانة العراق المتنامية في الحسابات الأمنية والسياسية الإقليمية والدولية، خصوصاً في لحظة حرجة يتقاطع فيها الانسحاب الأميركي مع احتمالات انفجار مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل.

منذ سنوات، شكّل الوجود الأميركي في العراق مظلة أمنية، سواء عبر العمليات العسكرية أو من خلال مراكز التدريب والدعم اللوجستي. غير أن الانسحاب الأخير من مناطق الوسط والجنوب كشف فراغاً استراتيجياً بات يشكل هاجساً للحكومة العراقية. هذا الفراغ لا يتعلق فقط بمسألة الدفاع، بل يرتبط بتوازن القوى الداخلي، وبتنامي قدرة الجماعات المسلحة على توظيف أي تراجع في الحــــــــضور الدولي لصالح أجنداتها.

في هذا السياق، يظهر حلف شمال الأطلسي كخيار واقعي لبغداد. فالناتو يمتلك خبرة واسعة في مجالات التدريب، وإعادة هيكلة القوات، ودعم المؤسسات الأمنية بعيداً عن الانخراط المباشر في المعارك. بالنسبة للعراق، فإن تعميق هذه الشراكة لا يمثل ارتهاناً لإرادة خارجية بقدر ما هو تعزيز لاستقلالية القرار الوطني عبر تنويع مصادر الدعم وتقليل الاعتماد على طرف واحد.

تصعيد خطير

لكن المسألة لا تقف عند حدود العراق. فالحلف ينظر إلى بغداد باعتبارها صمام أمان لمنطقة الشرق الأوسط التي تعيش على وقع تصعيد خطير بين إسرائيل وإيران. العراق بحكم موقعه الجغرافي وعلاقاته المتشعبة، قادر على أن يكون جسراً للحوار أو ساحة للصراع. ولهذا، فإن الحضور العراقي في بروكسل يحمل رسالة مزدوجة: بغداد تريد أن تكون شريكاً في صناعة الاستقرار، والناتو يدرك أن استقرار المنطقة يبدأ من بغداد.

زيارة السوداني إذن ليست مجرد خطاب سياسي، بل لحظة مفصلية تؤكد أن العراق يتحول من ساحة صراع إلى لاعب قادر على صياغة المعادلات. إنها بداية مرحلة جديدة، حيث يفرض العراق نفسه على طاولة الكبار، مستفيداً من فراغ تركه الآخرون، ومستعداً ليملأه بشراكة متوازنة مع الحلف الأطلسي