الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أتقاء الشر والمجتمعات الإنسانية

بواسطة azzaman

أتقاء الشر والمجتمعات الإنسانية

"اثنان لا تذكرهما أبدا، إحسانك للناس و إساءة الآخرين إليك " الإمام علي بن ابي طالب (رض)

توفيق رفيق آلتونچي

 

لماذا يعادون البشر هؤلاء ممن أحسنوا إليهم؟

تساءل محق للإنسان الذي يقابل إحسانه بالجحود. هناك وجهان لهذه التناقض السلوكي الأول على الصعيد الشخصي والثاني على صعيد المجتمع الذي يعيش فيه الجاليات من اللاجئين. يجب ان يكون هناك مبرر عقلاني لهذا التصرف والسلوك في كلتا الحالتين. الإنسان بطبيعته ليس شرسا وكل أ لسمات الشخصية فيه طيبة بصورة عامة ولكنه لا يتورع احيانا باستخدام أساليب سلبية سلوكية كالكذب والغش وحتى التنمر على الآخرين وهذا الأخير ياتي في الواقع من خلل معرفي لدي الأشخاص مما يجعل من الآخرين من الضعفاء هدفا لسخريتهم. لكن الإحسان بطبيعته مجاني لا يرغب المحسن ان يعاد اليه الحسنه عينيا اي ماديا وربما فقط معنويا . الحسنة دون مقابل وليس من قبل القرض كي يعاد إلى المقرض يوما. الإحسان قد يصل إلى درجة الصدقة المادية بالمفهوم الديني لكن بصورة عامة لا ينتظر الناس ان يعاد اليهم صدقاتهم. وهي في واقع الأمر طوعي وإجابة إنسانية لحاجة قريب او صديق. لكن الذي يحصل في واقع الأمر بان الذي أحسن اليه يتحول بمرور الزمن إلى عدو لدود رغم ان المحسن لم يطالبه بشيء. هذا السلوك عام وتسمع حكايات وحكايات عن هذه الطائفة من الناس وأحيانا يكون قريبك ومن الدرجة الاولى. ان اقرب تفسير لهذا السلوك هو بان الشخص الذي أحسن إليه في وقت الشدة يعرف جيدا في دواخله بانه لا يستطيع رد الإحسان بالإحسان والوفاء فيفكر في الخروج من دائرة أحاسيسه بالذنب باللجوء الى المقاطعة الكاملة للذي أ حسن اليه. هذا ما يحصل فتراه يخلق الأعذار تلو الأعذار كي لا يلتقي بصاحبه ويهمله إلى ان يصل إلى الجفاء والقطيعة النهائي فيركبه هواجسه وأحاسيسه.

هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.

سورةً الرحمن (60)

الجدير بالذكر بان هؤلاء يبقون في داخلهم بؤساء والجمرة تحت الرماد يتأذى روحهم من حرارتها. كنت قبل عقود قد ساعدت صديقا لي ولسنوات عدده وقع في حاجة بعد ان ترك العراق مع عائلته لاجئا إلى دولة جارة قبل ان يصل أوربا. لم يخطر ببالي باني سأطالبه يوما ان يعيد الكرة لي والله شاهد على ذلك. لكنه قطع كل اتصالاته معي ودارت الأيام والسنين فإذا به يكتب لي متأسفا وهو على فراش المرض ويطلب مني معلومات حول كيفية إعادة بعض تلك الأموال الي معتبرا ان اعادة الدين قبل الوفاة واجبة. نهرته على ذلك وسامحته وكان ذلك آخر لقاء لنا. لكني فكرت لماذا كان عليه ان ينتظر أربعة عقود ليتذكر من احسن اليه في يوم عصيب؟ وكم من هؤلاء اللذين يحملون ذلك الجمر في ارواحهم ينهشهم نهشا و يقض مضجعهم. اما في المجتمعات حيث يتعدى موضوع الوفاء للمحسنين عند الأشخاص إلى الدول المضيفة لهم وهي تتحول إلى مشكلة اوربية بعد ان كانوا جزء من حل مشكلة سوق العمل وشاركوا خلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية في إعادة بناء اوربا والمشاركة في الثورة الصناعية والرخاء الاجتماعي الذي واكب ازدهار تلك البلدان وزيادة الثروة الوطنية للدولة وللأشخاص. فبعد ان كان الاوربين بأنفسهم يبحثون عن قوى أيادي العمل في الدول الاخرى يستقدمونهمً للعمل في دولهم اصبحوا اليوم يطردونهم ويسنون القوانين للحد من الهجرة ونما في تلك الدول قوى السلبية في السياسة حيث يزدهر اليوم الأفكار القومية المتطرفة المنادية إلى طرد اللاجئين وإظهار الأخبار السلبية التي يقوم بها هم وأبنائهم في جميع قنوات الإعلامية والذي أدى إلى ظهور رأي عام معاد الأجانب في جميع الدول الاوربية وحتى دول كانت معروفة باعتدال كالدول الإسكندنافية أصبحت مجتمعات تعادي الإسلام واللاجئين القادمين من الشرق لعدم تمكنهم من التكامل في المجتمعات الغربية.

هنا تجدر الإشارة ان هناك العديد من اللاجئين السياسيين واخرون لجأوا أثناء الحرب إلى الدول الغربية . الجدير بالذكر كذلك ان موازيا لانتشار تلك الاخبار السلبية نرى بانً جميع سياسات والحكومية فشلت في الاندماج وتامين عمل او الاعتراف بشهاداتهم الدراسية العالية لأكثرية من المهاجرين وهذا الفشل ادى كذلك للعودة العكسية لهم لاوطانهم الأصلية او البحث عن وطنً جديد. هذه الأخبار السيئة التي تنشر في الإعلام يعتبرها المجتمعات الغربية جحود ونكران الجميل من قبل اللاجئين للدول والشعوب التي استضافتهم ورد الإحسان لا يكون بنشر الجريمة في تلك المجتمعات، حسب رأيهم . هذا ليس فقط خبر يتداول في الإعلام بل حقيقة وواقع في الأحياء التي يسكنها اكثرية من اللاجئين وخاصة على أطراف المدن الكبيرة في معظم العواصم والمدن الاوربية. تجربتي تعود إلى اكثر من نصف قرن في دول اوربا وملاحظتي للتغيرات في تلك المجتمعات تاتي من تجاربي فبعد ان كان الأجنبي عملة نادرة في السويد ويحصل على امتيازات كثيرة في بداية الستينيات اصبح اليوم مكروها ويتم معاملته بالنظر إلى هيئته وشكله وصولا إلى تميزه حتى في حالة سفره في المطارات. وقد تمً فعلا اتخاذ هذه الإجراءات مثلا في السويد حيث سن قانون "قانون المصادرة للأموال والمقتنيات للأجانب " الذي يمنح الشرطة السويدية صلاحيات غير مسبوقة لمصادرة الممتلكات الثمينة من أشخاص لا يمتلكون مصادر دخل واضحة، حتى وإن لم يكونوا مشتبهين بشكل مباشر بارتكاب جريمة. الجدير بالذكر ان ذلك يشمل مصادرة الأموال والمقتنيات كالسيارات والمصوغات والساعات الغالية حتى في الشارع أو اي مكان اخر . وفقاً للحكومة السويدية فإن هناك كذلك مقترح قانوني ينص على أن "السلوك السيئ " وليس الجريمة .. ستكون سببا كافيا لسحب إقامتك المؤقتة أو الدائمة... وطبعا ليس هناك تعريف للسلوك السئ من ناحية ومن ناحية اخرى من منا لم يخطئ وهل نحن ملائكة على الأرض.

خذ فقط مثلا وبعد دخول قانون الإهانة الشرطة الجديد حيّز التنفيذ في السويد تقدم الشرطة نفسها أكثر من 170 بلاغًا ضد مواطنين السويديين ممن أهانوا أفراد الشرطة وذلك فقط خلال أول شهر والقانون يعاقب كل من اهان الشرطة حتى بالسباب او الشتم. أصبحت كذلك المدارس، دوائر الخدمات الاجتماعية، والرعاية الصحية، والبلديات، والمناطق، والجهات الحكومية ملزمة بتسليم المعلومات (إخبارية)– حتى تلك المعلومات التي تقع تحت بند "المحمية بالسرية "– إلى الشرطة والادعاء العام وجهاز الأمن الوطني (سپو) إذا رأت الجهات المعنية أن المصلحة العامة تفوق سرية المعلومات (راجع الاشارات في نهاية المادة).

هذه السياسات أدت إلى نزوح العديد من العائلات وهجرة معاكسة من اوربا خاصة للطبقة المتعلمة من الأجيال الجديدة من خريجي الجامعات والحرفيين. كنتيجة لارتفاع العداء لهم والتميز في الحصول على الوظائف وزيادة ( الإسلام فوبيا ) في المجتمعات الأوربية حيث تحولت وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت إلى ارض خصبة لنشر التطرف والكراهية ولجميع الأطراف . مشكلة المجتمعات الأوربية بصورة عامة عدم وجود أيادي عاملة من مواطنيهم في قطاع الخدمات وهم يستنكفون بالعمل في تلك الوظائف والتي أصبحت اليوم حكرا للاجئين وان اي هجرة لهذا القطاع سيؤدي إلى شلل كامل في قطاع الخدمات العامة والأعمال التي يرفض مواطني اوربا العمل فيه. هناك تميز واضح بين اللاجئين القادمين من داخل اوربا وهؤلاء من القادمين من الشرق ويعتقد مواطني اوربا ان الأوربي اكثر تقبلا للتغير والتكامل في المجتمعات الجديدة. اما الشرقي فتراه محافظا على ارثه الثقافي والديني ويرثه إلى أبناءه وأحفادهم وصعوبة تعلمهمً حتى لغات الدول التي يتواجدون فيها على الأقل ما يخص الجيل الأول. أترى ان الدول المستقبلة للاجئين على أراضيهم يعتبرون ذلك حسنة قدموها لهؤلاء وهم جاحدون في نهاية الأمر لا فقط في رد الإحسان بالإحسان لا بل ينشرون ثقافاتهم وينشرون كذلك سلوكيات غريبة على المجتمعات الغربية؟

 لا نتمكن من الإجابة على هذا التساؤل المحق. هناك أسئلة أخرى وكثير من الأمور لا يمكننا في المنظور القريب ان نجيب عليها وربما يجب ان تمر أجيال كي نتمكن من اجراء تحليل واقعي ونصل إلى إجابات. لا ريب ان تكوين المجتمعات الأوربية قد تغيرت عبر الزمن وخاصة ما جاء به الثورة الصناعية من حاجة إلى أيادي عاملة ومع موجة التطور والمعلوماتية ودخول الإنسان الالي والذكاء الصناعي في جميع قطاعات الصناعة أصبح الحاجة تقل إلى قوى وأيادي العمل البشري تاركا مكانه إلى القوى العقلية. والمكائن الذكية. نحن امام تغيرات جذرية في عصر المعلومات وهذا سيغير التركيبة السكانية للعديد من دول العالم ونتيجتها قد تكون مأساوية لدول عدده في الشرق والغرب. المستقبل ليس بذلك الغموض وتحمل الكثير من المفاجآت نحن امام عصر جديد وموجة جديدة سيغير مجمل الجغرافية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية في العالم اجمع.

أليست كلمة طيبة صدقة والاعتراف بالحسنة والمحسنين يعيد الحياة إلى القلوب بين الناس وعلينا التركيز على الجانب المشرق الإيجابي في شخصية الإنسان . بعيدا عن الأفكار المنغلقة والمتطرفة وبذلك ننشر السلام والوئام الاجتماعي في المجتمعات ؟

 الأندلس

 ٢٠٢٥

إشارات؛

 للمزيد حول حياة ألاجئين في مملكة السويد راجع صفحة المركز السويدي للمعلومات تحت الرابط التالي؛ http://www.centersweden.com/


مشاهدات 120
الكاتب توفيق رفيق آلتونچي
أضيف 2025/08/27 - 3:15 PM
آخر تحديث 2025/08/28 - 7:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 200 الشهر 20063 الكلي 11415149
الوقت الآن
الخميس 2025/8/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير