الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شهية علي اليساري

بواسطة azzaman

شهية علي اليساري

احمد عبد المجيد 

 

المصادفة وحدها عرفتني على الكاتب علي اليساري، ولن اسمح لنفسي ابدا اني اضعت الطريق الى كتاباته النابعة من الوجع، الا عبر كتاب اهداه لي بعنوان (شهية طيبة). وهو ليس مقتبسا من فصل او مطلب من مطالب الكتاب، بل مقتبس من عبارة فرنسية هي (Bon appetit). وتلك مهارة اخرى تجعل اليساري متميزا في اختياراته وصياغاته ونحت العناوين.

والمصادفة كانت عند حلاقي الذي دأبت على مراجعته كل اسبوعين، في منطقة الكرادة داخل، حيث انهال عليّ بالحديث عن فضائل اليساري والصلة التي تربطه بجلاسه من جماعة الاتجاه الاحمر، تحلق شعرها لدى الصالون ذاته، وتمضي اوقات النهار في (مقهى وكتاب) التي تستقبل يوميا عشرات الكتاب والفنانين والمثقفين من كل الالوان.

وبسبب انشغالات داهمتني، تركت (شهية طيبة)، على منضدتي في الجريدة، ناويا انتظار الوقت للاطلاع على محتوى الكتاب واكتشاف اسراره.

حاسة التقاط

ومنذ الصفحة الاولى التي دون عليها اليساري أهداءه، انغمست في قراءة الصفحات. وقد ساعدت طبيعة الموضوعات التي تناولها على الاسترسال والاستمتاع بهذه الاضمامة من (القفشات) التي وضعها الكاتب على مائدة، افترض انها شهية، وكانت كذلك بالنسبة لي. والحق اقول ان اليساري يمتلك قريحة فريدة ويتمتع بحاسة التقاط، قد لا تتوفر لدى صحفي محترف او مراقب لجوج. فقد وجدت (مقالاته) الشبيهة باعمدة صحفية، تبنى بناء فنيا، يؤسس لمدرسة في الكتابة ويمنح فرصة نادرة لتجريب تأليفي، يحتاجه أي هاو مخلص لفكرته ومتابع جيد لمقتضيات انتقالاته.

المفردة لدى اليساري ترقص بايقاع على الورق، والجملة تتناوب لملاحقة ما بعدها او استكمال ما قبلها بتناغم موسيقي. وربما يتفرد اليساري في الغوص دون هوادة في مفارقات يومياته، لكنه لا يقع فريسة الاستهلاك والرتابة، بل يرتقي باليومي الى قمة اعلى ويضع الصورة في سياقها المطلق وذلك (بحرفية الحاذق) الذي يتنقل بين موضوعاته ونصوصه، التي تثير الضحك لكنها تستثير الوجع ايضا. وهو الاسلوب الذي قد يفتقر اليه كتاب الفكاهة الذين تزدحم بمقالاتهم صفحات بعض الصحف اليومية وتقدمهم على انهم (فاتحو الفتوح) والقادرون على التهريج للسلاطين في دواوين الارتزاق.

واني لأشعر بالارتياح التام والسعادة ان صديقنا المشترك (الحلاق ادمون) قادنا الى طاقة ابداعية (مغمورة) اكتشفناها في (شهية طيبة) التي تتسم من بين مقومات عديدة بالثقافة الواسعة والالمام باللغة الثانية والمشاكسات المبطنة، وهذه مهارة لا تتوفر عند جميع الكتاب، فبعضهم يصرخون ولا يتألمون ويجهلون متطلبات التكلم عبر القلب او الكتابة بألم عظيم، على حد وصف الروائي الامريكي ارنست همنغواي.

من الصعوبة على كاتب واحد الاحاطة بكل هذه التفاصيل، بحيث يأخذ من كل طرف ما يروق له، لكن اليساري صاغ افكاره التي تقترب من سهام النقد الجارحة، بحس وطني انساني وانتقاء موضوعي دقيق، ربما يجب ان يتعلم منه الكتاب الشباب كيف يتعين عليهم عبور حقول الالغام دون ان ينفجر (لغم المغفلين) فيقطع قدمهم او يترك في جسدهم عاهة.

 

 


مشاهدات 219
الكاتب احمد عبد المجيد 
أضيف 2025/08/19 - 3:47 PM
آخر تحديث 2025/08/22 - 6:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 472 الشهر 15933 الكلي 11411019
الوقت الآن
الجمعة 2025/8/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير