الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لا تعاتبوا مجتمعاتكم...بإزدراء الحقيقة؟

بواسطة azzaman

لا تعاتبوا مجتمعاتكم...بإزدراء الحقيقة؟

مزهر الخفاجي

 

يحتار المرء فاعلاً كان أم متفلسفاً بسيطاً، مستفيداً تارة أو متضرراً في أخرى وهو يتلقى الخطاب السياسي للمتصدين للعملية السياسية في مجمعاتنا، فلا يكاد المرء أن يُميز بين السِباب والشتائم والتخوين والتخويف والتسقيط حتى بتنا نرى ممثلون يتقنصون ادوارهم ببراعة ..

خِطابٌ مأزوم بالتفكير المنحط وتضخم في التأويل المُشبَع بالكراهية.... خطابٌ يتجاوز منطق التاريخ، ومسيءٌ للحرية كمفهوم لتتسلل في هكذا انواع من الخطابات عنصري التضليل والكراهية بالنتيجة، خطابٌ تتربع فيه ازدواجية الشخصيات والتناقض بينها وبين المجتمع..قائمة على (انا أملك ..انا موجود) (انا أدفع ..أنا موجود) (أنا اشتم ..أنا موجود) (أنا اكذبُ..أنا موجود).

التي ملخصها (( أنا ولتنهار الدُنيا)).... وقبل ان نُسهب بموضوعنا، تُرى لماذا تغيرت مجتمعاتنا الآن وهي تُمارس حقّها في اختيار مَنْ يُمثلُها.

يقول المفكر ( هامبرماس) وهو يصف المجتمعات قبل الحداثة والرمزيات الاجتماعية على انها:

- " لقد كان الفرد في كنف المجتمعات ينشأ اجتماعياً، ليصبح ذا هوية شخصية متميزة تُغتزل بدَور اجتماعي مخصوص يُكمّل من جهته أدواراً اجتماعية أخرى".تتعاشقُ قيم الأخلاق والوعي مع قيم التحريم لتشكلَ مجتمعاتٍ منضبطة الى حدٍ ما مخلصة لمنظومة قيمها الأخلاقية والثقافية والاجتماعية.

ونحن نعيش اليوم محنة الاشتباك بين حصولنا على الحقوق وتأديتنا للواجبات المُلقاة على عاتقنا التي يجوز لي ان اسميها (الحرية المبتلاة)، وبالتالي نعيش في ظروف سياسية واقتصادية صعبة، حتى وصل الامر الى ان البعض صار يضحي بالوطن من اجل حريته واخرى حنينه الى عبوديته التي اختارها بنفسه من اجل ان يضع الحرية وراء ظهره.

        لذلك اصبحنا لا نُميّز بين صندوق العبودية وصندوق الاقتراع... حيث بات لِزاماً علينا ونحنُ نَمُر بهذه الظروف الصعبة.... علينا أن نتأمل في ما قاله ابن خلدون الذي يتعلق بالشأن الذي نتحدث عنه:

- " الأوقات الصعبة تصنع رجالاً أقوياء...

     والرجال الأقوياء يصنعون أوقات الرخاء...

     وأوقات الرخاء قد تصنع رجالاً ضُعفاء...

     والرجال الضعفاء يصنعون أوقاتاً صعبة...".

وبهذا التصوّر يُرسخ لنا ابن خلدون دَورَة الحياة الأزلية القائمة على صعود المجتمعات أو انحطاطها والتي يؤكد فيها غياب الأنسجام بين الفرد والمجتمع والدولة خلال أكثر من الف واربعمائة عام ، خضعت فيها مجتمعاتنا لسطوة الدولة الممسوكة من رجل الدين وسطوة رجل الدين المتربص بالدولة ...  في الوقت الذي تَمُرُ فيها مجتمعاتنا العربية بأوقاتٍ صعبة وهي تحتفي بالديمقراطية أو تعيش تحت نير الاستبداد...

يقول  الفيلسوف ( شوبنهاور) في هذا  الالتباس الوجودي وفي حلّ هذه الاشكالية، اي التمييز بين الخطاب الذي يَركُن الى المصالحة مع الواقع المُرْ، أو القفز عليه، حيث يدعونا ان لا نشعر بالحُزن... والقصد هنا الظروف الصعبة التي نعيشها.

ويُخبرنا ايضاً بأن أفضل طريقة لتفادي السقوط، هو ان نتسلّق في التفكير بأن نضع آمالاً ونزيد في التوقعات، حيث ييقول:- " عِشْ على الأرض وراقب من ينتظرون الطيران... وستراهم كيف يسقطون وهم   يبتسمون لأنهم سرقوا منك كل شيء ( الحاضر والمستقبل)؟.

ونحن، واقصد مجتمعاتنا بسبب ثقافة القطيع... او ( عدم الجاهزية)، الذي هو التعبير الأدق بممارسة حقها في العيش الكريم او في ممارسة حرياتها الطبيعية التي كفلتها للفرد قيمنا السماوية وقوانين الطبيعة وعقودنا الاجتماعية ..... مع شديد الأسف ما عادت الجماهير تميِّز بين أذى زُعمائها او خطاباتهم.

وبين الاحسان او العمل السياسي الشريف... هذا الامر قد اشار إليه المفكر الشهير  (ميكافيللي) صاحب كتاب ( الامير) حيث يذكر :

- " سبحان الله... الاذى ينزل دفعة واحدة... لانه يذكر ولا ينسى، اما الاحسان فيقدم قليلا... قليلا... ليذكر طويلا!!".لكن يا للأسف فإن حكامنا لم يفهموا حتى هذا الدرس البسيط!!؟؟. حيث انهم لا ينزلون الاذى دفعة واحدة... بل ينشرونه- يرشونه كَسِمٍ بطيء... لا يبنون خوفاً مستقراً دائماً... ولا هم يبثون أملاً موهوماً.

فقط... ينفظون العقل على جدران الوطن... ويُسمّون في خطاباتهم ذلك بـــ ( سياسة او الخطاب السياسي او برامج انقاذ)... لكنها في الواقع ليست اكثر من غباء يرتدي ثوب السياسة.

    إنّ غياب دَور الجماهير في التعبير عن حاجاتها البشرية البسيطة، فضلا عَن تمادي زعاماتها وحُكامها في رفع الحيف عن قطاعاتها، وتُشّل حركة الجماعة الوطنية في التبلور للمطالبة بحقها في بناء مشروعها الوطني وتقديم برامجها السياسية الهادفة الى الأخذ بيد فقراء الشعب .

ان غياب التنافس الحق وعدم جاهزية الشعب في ممارسة حقه الطبيعي في الاختيار وإقصاء الجماعة الوطنية في التنافس. في التمثيل  السياسي

يجعل هذه المجتمعات يُغطي رؤوسها اليأس... وتتدثر اجسادها في أتون الحزن، وهي التي تجعلنا نقول: ( ان كل ما نرفض ان نواجهه... سيختبىء في اعماقنا ومن ثمّ يتحوّل الى ظلّ طويل يمشي خلف المجتمع.

التي يسميها بــ ( النكوص)او اليأس ويصل الحد ان (روسو) يصف هذه الشعوب بالشعوب الميتة والخانعة ليس إلا..  هذا (النكوص) هو الذي يجعل الاخر يصدر قراراته متجاوزاً حقنا في العيش او الحرية ومتجاوزاً حقنا الذي ثبتته دساتيرنا الوطنية ،ليهمس هولاء الحكام  في آذاننا دون ان ندري وهم يقودون قراراتنا بصمت ويُفسدون لحظاتنا الجميلة دون ان  يُسمح لنا  بأن نفهم السبب في ذلك... ذلك هو الحزن المتخفي أو قُل أمنيات شعوبنا بالحرية والعيش الكريم.

نعم. الحُزن المتخفي المُتنكر على شكل خوف، فكلما ادارت هذه المجتمعات ظهرها له يزدادُ هذا الحزن المتسلل في العقول والقلوب  حتى يصبح  سمة بارزة لمجتمعاتنا هو من يمسك بِمِقوَد حياة مجتمعاتنا... لتبقى هذه المجتمعات غريبة في اوطانها،  وهي أمام خيارين مريرين كرستهما البُنية الذهنية السياسية التي حكمت مجتمعاتنا لمدة قرنٍ ماض فنحن بين خيارين فإما ان نحظى بوطن بلا حريةأو نحصل على الحرية ليصبح فيها الوطن مهلهلا...ويجوز لنا ان نقول هنا بعد هذه التجربة المريرة مع منظومة الحكم العربي  اننا بين خياري ، دولة المستبد ..او دولة الضعيف..!

وايضا في هذه الحالة يبقى القلق حاضراًحتى ونحنُ نمشي احراراً.. لكننا في الحقيقة أسيري / أسرى ما لم نواجه الاثنين معاً: استعادة الوعي  ، والحرية التي يجب ان لانفرط بهما لضمان عيش كريم وحكم رشيد ..ولكي نُغادر حالة الحزن المستشري في خطابنا الوطني الشعبوي علينا كسر ( تابوهات) الدولة التي كانت منتجاً متأخراً للمجتمعات العربية المعاصرة.

            وذلك لأننا أمام خيارين: استمرار هالة الحزن التي تغطي وجوه وعقول وقلوب افراد مجتمعاتنا في مواسم الحرية... واقصد ممارسة حقنا في التغيير والتعبير والاختيار لِمَنْ يُمثلُنا.

      فضلاً عن كتابة عقودنا الاجتماعية بلا وصاية أو تدخّل... هذا الامر لن نحصل عليه... إلا... باستعادة الوعي... وحضور ضمائرنا الحيّة!!!؟؟؟؟. فليس من الطبيعي ان يخفت صوت الضمير أمام صراخ المال؟.

وليس طبيعياً للجماعة الوطنية ان تحصر مصالحها وتخادمها مع السارق والظالم... حيث يصبح تعميماً على الجميع وان شككنا به كثيراً. نعم... يَصُح أن نقول:

( لا أحد بريء... الكل متواطىء إما بالكذب او بالصمت او بالمشاركة بهذه الحالة التي هي اشبه بمسرحية، التي يسميها البعض بالديمقراطية، والتي انتجت عملية سياسية مقرفة).

نعم. لماذا نستبدل قول الحق بأكوام من المجاملات القذرة؟.

الآن... كيف نستطيع نحن.. الجماعة الفكرية والوطنية من تنظيف اوطاننا من هذا السبخ الذي جثم عليها؟.

أن لنا الأن ان نقول ان انقاذ مجتمعاتنا من هذه الفوضى إنما يكمنُ في ان نمكّن العقول والقلوب والأيادي النظيفة في أن تتنافس مع المدلسين والسُراق والممسكين بالسلطة، وذلك بأن تجد مقاربة وطنية لـــ ( كيمياء الحرية والوطن)، وان تستعد مجتمعاتنا وتجهز بوعيها المجتمعي البسيط لتمارس حقها وتختار من يمثلها في تجربة ديمقراطية وان كانت عرجاء ، وان توفر كلٌ من اولغاركياتنا (القبيلة ،المؤسسات الدينية ، راس المال والمؤسسات الحزبية ومنظمات المجتمع المدني) .

      نعم... يجب ان نختار الوطنيين الاذكياء.. لأن اول ولئك الأكثر وعياً وذكاءاً لا يمكن ان يكونوا اشراراً، لأن الشر والتآمر والخسّة تنشأ من غياب االفهم والدونية في التفكير... ولأن الشخص الواعي بحق يعرف الألم الذي يسببه الشرّ ويتجنبه!.

وبهذا يمكننا القول :-

ان مجتمعاتنا عندما تتخلى عن الحرية كحق، وعن خيار الديمقراطية مصداقاً لهذا الحق. يجب ان تبتعد  او تتخذ موقفاً وطنياً رافضاً للفوضى عن ظاهرة تغييب وعيها او خيانة ضمائرها وهي تتعاطى مع حق الحرية.

ان الشر لا يمكن ان يكون خياراً عقلانياً، وذلك لأنه نتيجة للجهل والتفكير الضيق، فضلا على انه يُعد من صفات ضعف الارادة كما يقول ( نيتشه)..

- " لأن الشخص الذي يتمتع بقوة ارادة، هو الذي يمنعه من الانغماس بالشرّ او الدفع بمن يمثل هذا الشرّ".

تبقى الأسئلة:

لماذا عمّ الظلم الذي هو مظهر من مظاهر الشرّ؟.

لماذا اتسّع النفاق والتدليس وشراء الذمم حتى وصلنا للتزوير وضياع الضمير؟.

يقول المفكر ( اميل سوران) وهو يتحدث عن غياب الجماعة الفكرية الوطنية وتأثيرها:- " وذلك لأننا فشلنا في دولة / مجتمع / مؤسسات في خلق انسان يُفكر. لم يتكون لدينا شعب... بل تكوّن لدينا جمهور مُصفق... وجمهور لاعن.. يصفق هذا الجمهور مرّة ويلعن مرة اخرى. لكنه لا يفكر إلا في اللحظة الراهنة... لا بالحرية ولا بالوطن".

        وربما اقترب ( جان بول سارتر) الى تفسير لحظات التصفيق ولحظات اللعن التي تعيشها مجتمعاتنا العربية، حيث يذكر لهذا الشأن:

- " ان الناس لا يريدون الحرية.. بل يريدون الأمان؟... وهم في سعيهم وراء الأمان يخضعون لانظمة وقوانين... تضمن لهم استقراراً زائفاً؟"..

على الرغم من ان البعض يقول ان الوعي السطحي لشعوبنا يجعلها اقرب لقبول ما هو سطحي في المطالب والحاجات، وليس لما هو جوهري وعميق!. وهنا لا يمكننا ان نتجاوز آراء الدكتور علي الوردي التي جسدها في كتابه ( مهزلة العقل البشري).

وهو الذي يرسخ فكرة الصراع ويطرح علينا فكرة ( شيوع الشرع) في مجتمعاتنا، ويذهب الى القول:- " ان وجود الاحزاب او التيارات المحافظة التي تمثل مرجعياتها اولغاركيات ثلاث ( قبلية، دينية، واقطاعية)".

واشار الى وجود دعاة للحرية والتغيير الذين اسماهم بــ ( الراديكاليين)، هاتين الركيزتين بمثابة التدين الذي تقوم عليه مجتمعاتنا. ويقصد مجموعة المحافظين الذين يتمسكون بالتقاليد.

      الذين يدعون الى تماسك المجتمع وهم يقفون بالضد من نمو وصعود  جبهة المجددين الثوريين الذين يريدون الاصلاح الاجتماعي والعدالة النسبية بين مكونات المجتمع ، وان الديمقراطية كانت خير وسيلة لحل النزاع المستدام بين العناصر السابقة.

            ويبدو ان عوامل عديدة ساهمت بالدفع بمفهوم التدافع من اجل الامساك بالسلطة منها:

١استخدام السلاح والقوة... التي ساهمت بتفوق والاغنياء والاقوياء  على عامة الشعب... وقللت الفوارق بين الحاكم والمحكوم. والعامل الثاني اختراع مكائن الطبع، الوسيلة المهمة لنشر الصحف.

              التي كانت وما زالت تمتلك القدرة عن التعبير عن الرأي العام دون اراقة الدماء.. لهذا الشأن يورد علي الوردي الى عقيدته التي اربكت مشروع الديمقراطية، ويقصد بها ( التعصّب).

            ويؤكد الوردي بان الانسان جُبِلَ على التعصب  لعقيدته أو قبيلته... دون ان يمارس فيها فعل المؤدي لدوره. وان التعصب قد قسم الوعي المجتمعي او عاش معه وحرفه عن مساره ايضا.

          ولهذا الانحراف لدينا ادلّة مورست في سلوك الانسان وهو غائب عن الوعي لا يدرك ما يفعل. ولدينا ادلة وشواهد واضحة نوردها من القرآن الكريم حول التعصب، حيث خاطب الرب عزوجل العرب المسلمين:

- ألا تعقلون.

- ألا تبصرون.

           لكنهم تهافتوا على النبي محمد ( ص)... لكن هؤلاء المتعصبين تهافتوا على النبي محمد ( ص) معلنين اسلامهم دون ان يدخل الاسلام قلوبهم. هؤلاء المتعصبين كانوا يعاقبون الداخل في الاسلام مثلما كانوا يعاقبون الخارج منه.

          يذكر علي الوردي ان سبب هذا التناقض الفكري والسلوكي هو نمط فكري، فالمرء لا يمكن ان ينظر الى الامور بحرية تامّة حتى لو خالفت رغبته كونه مكبل بتقاليد تعيسة واضحة:

ان مجتماعتنا ومع الأسف وبسبب ثالوث ( الجوع، الخوف، والتخلف) صارت لا تستطيع  تتمكن من خياراتها الصح في ان تستحضر وعيها الوطني او ضميرها الحي في ايجاد كيمياء بين (الحرية والوطن ) وبين فكرة الصراع القائم على الوعي وفكرة الصراع القائم على التغالب ، فتناشزت رغبات افراد مجتمعاتنا مع مجتمعاتها ومع نظمها السياسية (الدولة ) والذي استمر الى اللحظة الراهنة  .

              لان الرغبات الحقيقية التي تستوي الى حقوق تصبح يقين فلا يجوز ونحن في القرن الحادي والعشرين عصر النانو والذكاء الاصطناعي والروبوتات، ان نسمح لتشريعات بعض نضمنا ان تستعبد مجتمعاتنا لان كل دساتير العالم ومنها دساتيرنا الوضعية تؤمن بأن الشعب هو مصدر كل السلطات.

        فليس صحيحاً الآن ان يعود منطق من يستطيع ايهامنا يصبح سيداً؟. ومن يحاول ازالة الاوهام عن اعينهم يصبح ضحية لهم.


مشاهدات 88
الكاتب مزهر الخفاجي
أضيف 2025/08/04 - 3:38 PM
آخر تحديث 2025/08/05 - 6:03 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 184 الشهر 3129 الكلي 11298215
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/8/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير