الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدولة مقابل الحكومة الكيان والدور

بواسطة azzaman

الدولة مقابل الحكومة الكيان والدور

محمد علي الحيدري

 

في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالعراق، يزداد الخلط في الخطاب العام بين مفهومي “الدولة” و”الحكومة”، إلى درجة أصبحت فيها الحكومة مرادفًا للدولة في التداول الإعلامي والشعبي، بل وأحيانًا في الخطاب السياسي الرسمي. هذا الخلط ليس مجرد خطأ لغوي، بل يعكس إشكالية أعمق تتعلق بفهم طبيعة السلطة، وبنية المؤسسات، وحدود العلاقة بين الكيان الحاكم والدولة الحاضنة.

فما الدولة؟ وما الحكومة؟ ولماذا من الضروري التفريق بينهما؟

الدولة هي الكيان السيادي الدائم، الذي يتكوّن من شعب، وإقليم، وسلطة شرعية تحتكم إلى القانون. هي الإطار العام الذي يحفظ وحدة البلاد، ويضمن استمرارها عبر الزمن، بغضّ النظر عن تغيّر الحكومات والنُخب. الدولة تملك المؤسسات، وتُصدر القوانين، وتفرض النظام، وتُنظّم العلاقات الداخلية والخارجية. إنها الجسم الذي تعيش فيه الأمة، والوعاء الذي تُمارس فيه السلطات مهامها.

أما الحكومة، فهي إدارة تنفيذية مؤقتة، تأتي لتدير شؤون البلاد ضمن ولاية محددة، وتُحاسب على أدائها، وتذهب حين تنتهي مدتها أو تُسحب منها الثقة. الحكومة تتغير؛ أما الدولة فتبقى. الحكومة تُشكّل وفق نتائج الانتخابات، أو توافقات سياسية، أو تحالفات ظرفية، أما الدولة فلا تُبنى على المزاج أو التوافق، بل على المؤسسات والأنظمة والدستور.

حين تنهار حكومة، يمكن استبدالها؛ لكن حين تنهار الدولة، لا يمكن تعويضها بسهولة. فغياب الحكومة أزمة، أما غياب الدولة فهو فوضى.

الخلط بين المفهومين في العراق أدى إلى نتائج كارثية. فالنقد الموجّه للحكومة كثيرًا ما يُترجَم على أنه عداء للدولة، والمعارضة لنهج السلطة تُفسَّر أحيانًا على أنها تهديد للوحدة الوطنية. والأسوأ من ذلك، أن بعض من تسلّموا زمام الحكومة تصرّفوا كما لو أنهم يملكون الدولة، لا أنهم مؤتمنون عليها.

إن إعادة ترسيخ مفهوم “الدولة” في وعي المواطن والسياسي معًا هو أحد أهم شروط بناء عراق مستقر. فلا معنى للديمقراطية إن لم تحتكم إلى مؤسسات الدولة، ولا معنى للمعارضة إن لم تُحافظ على الدولة أثناء نقدها للحكومة. كما أن النجاح في الحكم لا يُقاس بعدد المناصب أو الصفقات، بل بمقدار ما يُعزَّز من هيبة الدولة وعدالة مؤسساتها واستقلالها.

إن مستقبل العراق لا يتوقف فقط على تغيير الحكومات، بل على ترسيخ الدولة بوصفها المرجعية العليا، لا مجرد غطاء للمصالح المتغيرة. فالدولة هي التي تحمي الجميع: من في السلطة ومن في المعارضة، من في المركز ومن في الهامش، من الأغلبية ومن الأقليات. إنها الكيان الذي يجب أن يسمو فوق الانتماءات الضيقة، ويستعصي على التمزيق.

ولذلك، فإن على النخب السياسية والإعلامية والثقافية أن تبدأ اليوم، وبإلحاح، بترسيخ هذا التفريق في اللغة وفي الفكر:

الحكومة تُنتقد، تُغيَّر، تُحاسَب.

أما الدولة، فتكمن عظمتها في أنها باقية، ضامنة، وحيادية في خدمة الجميع.

 

 


مشاهدات 209
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/08/02 - 1:23 AM
آخر تحديث 2025/08/02 - 11:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 339 الشهر 1074 الكلي 11276160
الوقت الآن
السبت 2025/8/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير