الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المسرح يعوّض الطفل عن غياب الحضورالإنساني بالعالم الرقمي

بواسطة azzaman

التمثيل الصامت يحرّر الصغير من الخجل

المسرح يعوّض الطفل عن غياب الحضورالإنساني بالعالم الرقمي

حيدر كاطع المرشدي

 

لا يولد الطفل ممثلًا لكنه يولد ممسرحًا،يبكي بصوتٍ واضح يصرخ حين يغضب يرقص حين يفرح ويقلّد كل ما يراه حوله. هذه هي البذور الأولى لفنّ التمثيل والطفولة بهذا المعنى هومسرحٌ فطري صادق متحرر من أقنعة التكلّف والتكرار والتمثيل المصطنع.

حين نُعلّم الأطفال المسرح فنحن لا نزرع فيهم شيئًا جديدًا بل نحرر تلك البذور الصغيرة ونمنحها ضوءًا ومساحة لكي تنمو وتصبح شجرةً وارفة تُثمر خيالًا وشخصية وثقةً بالنفس وحبًا للحياة.

و موضوعنا هذا ليس دليلًا تقنيًا لتعليم الأطفال التمثيل بل هو خريطةٌ تربوية نفسية وجمالية تساعد المعلمين والمربين والمهتمين في بناء تجربة مسرحية عميقة مع الطفل وهو خلاصة سنواتٍ من التأمل في الأسئلة :كيف نتعامل مع الطفل كمبدع؟ كيف نصغي لخياله؟ كيف نبني عرضًا مسرحيًا دون أن نكسر داخله؟  لماذا نُدرّس الأطفال المسرح؟

ليست كل الفنون مناسبة لكل الأعمار لكن المسرح بما فيه من لعب تخيّل حركة صوت وحوار يبدو كأنه خُلق من أجل الطفولة.السؤال الأهم ليس هل يصلح المسرح للأطفال؟

بل كيف نُوصل المسرح إلى الأطفال بطريقة لا تجرح خيالهم؟

أهم ما يفتقده الطفل في العالم الرقمي الحالي هو الحضور الإنساني والمسرح يعوّض هذا الغياب من خلال تقوية الجرأة والثقة بالنفس تدريبه على التفاعل الاجتماعي واحترام الآخر والاستماع له و المسرح يُحفّز الخيال ويغذّي اللغة، ففي عالم المسرح يمكن للطفل أن يصبح أميرًا سمكة شجرة أو حتى فكرة! هذه الحرية في التقمص تُحرّك قدراته اللغوية وتُنمّي تعبيره عن ذاته

و المسرح وسيلة للشفاء النفسي بعض الأطفال لا يستطيعون التعبير عن الألم بالكلمات لكنهم يستطيعون إفراغ ما بداخلهم من خلال لعبة مسرحية والمسرح هنا ليس فقط فنًا بل علاجًا داعمًا يساعد الأطفال على تجاوز الخجل الخوف أو الصدمات.والمسرح تربية غير مباشرة،

حين يمثّل الطفل دورًا في حكاية شعبية أو في قصة ذات قيمة أخلاقية فهو يتعلّم دون أن يشعر

الدرس يندمج في اللعب فيتعلّم ويستمتع في آنٍ واحد ، إذا تعاملنا مع المسرح بوصفه وسيلة تعليمية فقط خسرنا جوهره الإنساني وإذا نظرنا إليه بوصفه مجرد لعب أضعنا دوره في تشكيل الوعي.

 المفتاح هنا هو التوازن بين التربية واللعب بين المتعة والتوجيه وذلك يتمثل بان لا نُعامل الطفل كممثل صغير بل ككائن مستقل يتعلّم من خلال الحركة الصوت والخطأ، فالمسرح يمنحه حق التجريب والحق في التعبير والحق في أن يُخطئ دون خوف.و في بعض ورشات المسرح العلاجي يُطلب من الطفل أن يُمثل مشكلته فيتقمص دوره مع أمه أو المعلم أو زملائه

صياغة حكاية

من خلال هذا التمثيل تتحرر مشاعره وتُعاد صياغة الحكاية بطريقة تُشفي ولا تُدين.و العديد من الأطفال يعانون من الخجل أو الانطواء،و المسرح لا يُجبرهم على التغيير بل يُتيح لهم أدوات للتعبير الذاتي تدريجيًا ، فالتمثيل الصامت وتقليد الحيوانات واستخدام الأقنعة وأداء جماعي بدون كلام ،كل هذه الطرق تفتح باب المسرح أمام الطفل الخجول دون الضغط عليه

 وتعليم الطفل على المسرح ليس مجرد إعطاء توجيهات بل هو رحلة تربوية ومسرحية تبدأ باللعب وتنتهي بالإبداع ويتم ذلك ببناء الثقة ، فالخطوة الأولى هي إزالة الحواجز النفسية.

فالطفل لا يستطيع التمثيل وهو خائف أو متردد نبدأ بـ:ألعاب كسر الجليد (تعارف حركة خفيفة نداء الأسماء بأصوات غريبة) الوقوف أمام الآخرين دون توتر (صفق لنفسك انظر حولك تحدث عن لعبة تحبها) فالطفل لا يتعلم المسرح قبل أن يشعر بالأمان

والمسرح يعتمد على التركيز والانتباه درّبهم على الإصغاء للصوت(تمييز الأصوات المختلفة، تقليدها) والملاحظة البصرية (ماذا تغيّر في الغرفة؟)والتفاعل مع الإيقاع والحركة. كذلك تدريب الجسد ، فلا مسرح دون جسد ووعي حركي واستخدم تمارين الحركة البطيئة / السريعة

والمشي على الإيقاع وتقليد الكائنات (قطة سلحفاة فيل طائر).ولأن الجسد هو لغة الطفل الأولى فدعه يتكلّم بها بحرية ، والخيال هو ملعب الطفل المسرحي شجّعه على تخيّل نفسه داخل قصة (ضائع في الغابة على سطح القمر) تقمّص أشياء غير حية (مصباح يتكلم غيمة حزينة)

تقديم مشهد بدون نص باستخدام لغة الجسد والصوت.

والتعاون مهارة أساسية المسرح يُنميها عبر تمارين ثنائية (قلد زميلك كن مرآته)، تمثيل قصير جماعي (دون نص باستخدام فكرة فقط)وتنسيق الدخول والخروج من المشهد. والمسرح لا يحتاج إلى تقنيات معقدة كي ينجح مع الطفل بل يحتاج إلى أدوات بسيطة تحفّز الخيال وتفتح أبواب اللعب ،و الجسد: الأداة الأولى فهوية الطفل المسرحية تبدأ من جسده

استخدم تمارين تساعده على فهم إمكانياته الجسدية والجسد مرن بطبيعته والمسرح يعلّمه كيف يعبّر به.

والصوت لعبة ممتعة مرتفع هامس غاضب فرح ، درّب الطفل على التنفس الصحيح (شهيق – زفير) علّمه كيف يتحكم في نبرته قل الكلمة نفسها بغضب بفرح بخوف.

اما الأشياء (الرمز والخيال)فق د تكون قطعة قماش يمكن أن تكون عباءة ملك أو جناح طائر

وعصا يمكن أن تصبح سيفًا عصا ساحر أو ميكروفونًا. والطفل لا يحتاج لأزياء فاخرة بل لأشياء تفتح الخيال. والأقنعة تحرر الطفل من الخجل ، استخدم أقنعة كرتونية أو أقنعة مرسومة على الوجه ، اجعل الطفل يختار شخصيته خلف القناع، ولا تقيّد الطفل بمنصة خشبية فقط كل مكان يصلح أن يكون خشبة صفّ المدرسة الحديقة قاعة صغيرة ، وعلّمه احترام الفضاء الدخول إليه والخروج منه.

 

 


مشاهدات 105
أضيف 2025/07/30 - 1:24 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 9:43 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 613 الشهر 21431 الكلي 11275042
الوقت الآن
الخميس 2025/7/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير