عاشوراء الحسين.. رؤية كَسَنزانية
نوري جاسم
في مواسم النور، حين ينادي المحرّم على القلوب لتعود إلى صفائها الأول، تُفتح في الطريقة العلية القادرية الكَسَنزانية نوافذ الروح على كربلاء، لا بوصفها مشهدًا من التاريخ، بل كونها مقامًا دائمًا في حضرة الحقيقة، وعهدًا أزليًا بين الدم والعرفان، وعاشوراء، في الفهم الكَسَنزاني، ليست بكاءً على ماضٍ، بل استحضارٌ لسرٍّ حيٍّ يمشي فينا، يطهرنا من غبار الدنيا، ويفتح أبواب السموّ نحو مقام الصدق، حيث الحسين عليه السلام هو المرشد، والدم هو اللغة، والتضحية هي الطريق. إنها لحظة يتوقف فيها الزمن، وتتعالى فيها الأرواح لتلتحق بقافلة “هل من ناصر ينصرني؟” لا بسيوف، بل بقلوبٍ سلّمت أمرها لله، ومضت على درب الفناء في محبته، ولقد علّمنا مشايخ الطريقة الكسنزانية، وعلى رأسهم حضرة السلطان الخليفة محمد المحمد الكَسَنزان الحسيني قدّس الله سره، أن الحسين عليه السلام ليس فقط إمامًا مضى، بل هو السرّ الجاري في دم الولاية، وهو المعنى الأعمق للصدق في المحبة، والوفاء للعهد الإلهي، وكانوا يقولون: “الحسين عليه السلام لم يمت، بل قام بدورٍ ربّانيٍّ، كي نحيا نحن في حضرة النور.”وفي كل عاشوراء، لا يلبس مريد الطريقة السواد حزنًا فقط، بل يستعدّ بروحه ليولد من جديد، لأن الحسين عليه السلام حين سُفك دمه، لم يُطفئ الحياة بل أيقظ المعنى. فالألم الكَسَنزاني لا يُختزل ففط في البكاء، بل يتحول إلى ذكر، وتفكر، وتطهّر، أما السيد الشيخ شمس الدين محمد نهرو الكَسَنزان القادري الحسيني قدّس الله سره، فقد أعاد تشكيل الوعي بعاشوراء من خلال روحه الصوفية العرفانية الحديثة، فكان يرى أن الحسين عليه السلام هو الثورة الصامتة التي تنفجر في قلب كل من أراد الله بصدق. وكان يردد قوله المضيء: “الحسين ليس ذكرى، بل تجلٍّ دائم في القلب، من لم يعش كربلاء بروحه، لن يعي مقام العشق الإلهي.” وفي الطريقة الكَسَنزانية الحسين عليهالسلام، لا تُستعاد الواقعة لتُندَب، بل لتُعاش. لا تُقرأ قصائد الرثاء للجزع، بل للترقّي في مراتب الحب الإلهي، حيث الدم يصبح ذكرًا، والمأساة تصبح مرآة، والشهادة تتحول إلى سفينةٍ تُبحر بالسالكين نحو شاطئ القرب، وفي كل زاوية من زوايا وتكية في الطريقة الكسنزانية، في العراق وخارجه، تتحول ليالي المحرم إلى رياض من النور، حيث تُقام مجالس الذكر، وتُرتل أسماء آل البيت عليهم السلام، ويُستحضر الحسين عليه السلام لا كجسد في تراب كربلاء، بل ككلمةٍ في لوح القلب، وكبذرة نور تُثمر صدقًا وصفاءً، إن الطريقة الكَسَنزانية، بما تحمله من إرث روحي صوفي وعرفاني، ترى في كربلاء ميزان السالكين، ومنهاج العارفين، ومحراب المحبين. فليس التصوف انفصالًا عن المأساة، بل هو ارتقاء بها إلى مقام الحكمة، وعاشوراء، في نظرهم، هي يوم العهد المتجدد بين القلب وربّه، عبر جسد الحسين عليه السلام ودمه وقيامه وثباته، وهكذا، تمضي عاشوراء في الرؤية الكَسَنزانية لا كحدث، بل كحقيقة تُخاطب كل مريد :
“تطهّر... فالماء حُبس عن الحسين عليه السلام، لكي لا تتوضأ بغير دمه.”
“تجرد... فكل ما دون الله، لا يستحق قلبك.”
“تأمل... فكل نداء من كربلاء، هو سؤال من الله: هل أنت لي؟”
ونور الله روض الحسين عليه السلام، إمام العاشقين، ورافع راية الحق المبين حين سقطت كل الرايات، ونور الله قلوب من ورث سره من الأولياء والصالحين والمحبين الصادقين، وبارك الله في درب النور الكَسَنزاني، الذي علّمنا أن كربلاء ليست نهاية، بل بداية الطريق إلى الله....
وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة، وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين، وسلّم تسليمًا كثيرًا...