في الطريق اليكم،، عن الدار العربية وبأشراف السارد عبد الرضا الحميد
ديماس.. السجن الذي بناه الحجاج وظل إرثًا يتداوله الطغاة
في رواية ديماس، يأخذنا الكاتب إلى قلب العتمة، إلى المكان الذي لا تشرق فيه شمس ولا يعلو فيه غير أنين. سجن “ديماس”، ذاك الذي بناه الحجاج بن يوسف الثقفي على أطراف واسط، لا يُقدَّم مجرد بناء حجري غارق في الزمن، بل رمزٍ مستمر للبطش السياسي والقهر المُمنهج. يتوارثه الطغاة كما يُورث العرش، تتغير الوجوه وتبقى الجدران شاهدةً على وجع الإنسان وسقوط العدالة.
الرواية ليست تأريخًا جامدًا بقدر ما هي مرثية طويلة لأرواح سُحقت تحت سنابك السلطة، وسرد حار لأيام سود امتدت من زمن الحجاج حتى سجون الطغاة المعاصرين. السجن في الرواية ليس جدرانًا وسلاسل، هو وطنٌ ضيق، مراياه مشروخة، وصوته صدى لأنين طويل لا ينقطع.أناس بسطاء، منسيون، دون أسماء أحيانًا، تحوّلوا في جحيم “ديماس” إلى شواهد على عنف الدولة، يقابلون الطغيان بالصمت أو بالهذيان أو بحلم صغير بالنجاة.الحجاج لا يظهر كرمز فردي، بل أصلٍ لجين الطغيان الذي انتقل وتحوّر حتى بات جزءًا من تركيبة السلطة العربية.لغة الرواية شعرية، دامعة، تفيض بألم مكتوم وسرد موغل في التفاصيل الحسية. الكاتب لا يصرخ، بل يهمس بوجع، يجعل القارئ يشعر بثقل القضبان على روحه، وببرد الأرض تحت جسده.ديماس ليست رواية تاريخية، هي وثيقة إنسانية، صرخة ضد النسيان، وتذكير دائم بأن السجن لا يُمحى بانهيار الجدران، بل يظل حيًّا في الذاكرة الجمعية ما دام ثمة مستبد يتنفس.ديماس حكاية وطن سُجن مرارًا وتكرارًا، وحكاية إنسان ظل يبحث عن ضوء صغير في آخر نفقٍ طويل اسمه “الخوف”.