صوت الإعتدال الذي ينشد الإستقرار
علي حسين الكعبي
في وقت لا تزال فيه البلاد تواجه تحديات معقدة على صعيد التماسك المجتمعي والتفاهم السياسي، يبرز الدكتور محمد الحسان، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، كأحد أبرز الداعين إلى نبذ العنف والطائفية، وتعزيز لغة الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات الدولة، وفي طليعتها العلاقة الحساسة بين بغداد وأربيل. منذ مباشرته لمهامه، حرص الحسان على أن تكون بوصلته واضحة: العراق وطن للجميع، لا يُدار بمنطق الغلبة أو الاصطفاف، بل بمنطق الشراكة والعدالة الدستورية والمساواة في المواطنة للجميع. وفي كل محفل شارك فيه، سواء داخل بغداد أو في زياراته إلى الإقليم، شدد الحسان على أن الطائفية السياسية والعنف الأهلي هما أكبر خطرين على مستقبل العراق، محذراً من تركهما يتغلغلان في مؤسسات الدولة أو في ثقافة المجتمع. “العراق لا ينهض إلا بجميع مكوناته”؛ هكذا يردد الحسان في لقاءاته، واضعاً حجر الأساس لرؤية أنسانية حضارية تنسجم مع تطلعات الشعب، وتعتمد الدستور العراقي كمرجعية أساسية في حل وتسوية الخلافات السياسية والإدارية.
الدستور هو الحل
في ملف العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، تحرك الحسان بحذرٍ وحنكة، جامعاً بين الحكمة الدبلوماسية والرؤية الواقعية. وأكد مراراً أن لا سبيل إلى حلول دائمة إلا بالعودة الصريحة لنصوص الدستور، وضمان العدالة في تقاسم الموارد والصلاحيات وفق مبدأ لا ضرر ولا ضرار. وقد لعب دوراً هادئاً لكنه مؤثر في تقريب وجهات النظر ويُنسب إلى جهوده توفير أجواء ثقة ساعدت على فتح حوارات جديدة بين بغداد وأربيل، رغم تعقيدات المشهد السياسي العراقي.
خطاب جامع في وجه التشرذم
يمتاز خطاب الحسان بلهجة جامعة، لا تستعدي طرفاً، ولا تغفل مظلومية أي مكون. فهو لا يخاطب طرفاً دون آخر، بل يخاطب الدولة كمشروع جامع، والمواطن كقيمة عليا. وهذا ما جعل صوته يحظى باحترام أطراف متعددة، حتى من بين الخصوم السياسيين.
ويدرك الحسان أن مسؤولية الأمم المتحدة لا تقتصر على رصد الأزمات، بل تشمل بناء مناخات الثقة وتثبيت الاستقرار، ولهذا يحرص على الظهور في المواقف الوطنية الجامعة، من زياراته إلى المراقد الدينية، إلى لقاءاته مع الشباب والناشطين المدنيين، مروراً بحضوره المتوازن بين بغداد والنجف وأربيل والموصل وصلاح الدين والبصرة والناصرية وغيرها من المحافظات العراقية. في عراق ما بعد الأزمات، يحتاج الناس إلى أصوات لا تصرخ، بل تعمل. إلى قادة لا يبحثون عن شعبية وقتية، بل يؤمنون بوطنية مستدامة. ومحمد الحسان، بصبره ودبلوماسيته ومبدئيته، يقدم نموذجاً لصوتٍ أممي يعكس تطلعات العراقيين في السلم الأهلي، وعدالة الدولة، ووحدة القرار.