سوريا الجديدة.. بين دعم الخليج وتحدّيات الإستقرار
محمد علي الحيدري
يشكل المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد منعطفاً استراتيجياً فارقاً في معادلات الشرق الأوسط.
فالمعادلة لم تعد مجرد إعادة إعمار دولة منهكة، بل هي محاولة لإعادة صياغة موقع سوريا في التوازنات الإقليمية، عبر دعم خليجي يتجاوز البعد الإنساني نحو استثمار سياسي طويل الأمد.
في هذا السياق، تبرز السعودية وقطر بوصفهما محورين أساسيين في هندسة المرحلة المقبلة، حيث يتقاطع الدعم المالي والإعماري مع رهانات أمنية وسياسية أوسع.
من منظور استراتيجي، يمكن قراءة هذا الدعم على ثلاثة مستويات مترابطة. أولاً، المستوى الاقتصادي الذي يهدف إلى إعادة تأهيل البنية التحتية وفتح منافذ الطاقة والاستثمار، بما يحوّل سوريا من عبء إلى شريك اقتصادي واعد، ويقلل من فرص عودة الفوضى التي غذّت التنــــظيمات المتطرفة في العقد الماضي.
ثانياً، المستوى الأمني والسياسي الذي يتمثل في منع عودة إيران كقوة مهيمنة، وتثبيت دمشق في المحيط العربي عبر شراكات مؤسسية مع الخليج، مع مراعاة الحضور الروسي القائم لتفادي فراغ استراتيجي قد يعيد إنتاج الصراع.
ثالثاً، المستوى الرمزي والهوياتي الذي يسعى إلى إعادة دمج سوريا في الهوية العربية السنية، وإعادة الاعتبار لدور العواصم الخليجية كضامنة للتوازن الإقليمي.
قوات كردية
لكن مع كل هذه الوعود، يظل الطريق محفوفاً بتحديات معقدة. على الصعيد الداخلي، تواجه سوريا الجديدة اختبار التوحيد الوطني بين المكونات السياسية والعسكرية، فيما يشكل وجود القوات الكردية وبقايا النظام السابق عناصر تهديد كامنة.
وعلى الصعيد الإقليمي، قد يتحول الدعم الخليجي نفسه إلى مصدر تنافس سعودي-قطري على النفوذ، إذا لم يُحكم التنسيق ضمن إطار استراتيجي مشترك.
أما على الصعيد الدولي، فإن الرهان على استمرار التسهيلات الأميركية يظل هشّاً، في ظل تقلب السياسات في واشنطن وتفضيلها معادلة “الربح المباشر” على الالتزامات الطويلة.
إن المعضلة الحقيقية لا تكمن في حجم الدعم، بل في كيفية تحويله إلى مشروع استقرار طويل الأمد. فنجاح الخليج في سوريا لن يُقاس بمبالغ الإعمار أو شحنات المساعدات، بل بقدرته على بناء دولة سورية قادرة على إنتاج استقرار داخلي يحد من التدخلات الخارجية، ويحوّل سوريا من ساحة صراع إلى ركيزة إقليمية.
وإن فشل هذا المسعى، ستبقى البلاد عرضة للانتكاس، بما يهدد ليس فقط مستقبلها، بل أمن المنطقة بأسرها.
بهذا المعنى، تبدو سوريا الجديدة اختباراً حقيقياً لفلسفة القوة الناعمة الخليجية: هل يمكن للاقتصاد والدبلوماسية أن ينتصرا حيث فشلت القوة العسكرية؟ الإجابة ستحدد معالم مرحلة إقليمية جديدة، إما أكثر استقراراً وانفتاحاً، أو أكثر هشاشة واضطراباً.