العراق وضرورة إحتواء الصراع الداخلي
عدالت عبد الـله
في الحالة العراقية، أجد أننا لسنا بحاجة إلى استدعاء نظريات سياسية أو اجتماعية محددة لبيان مدى خطورة الصراعات الداخلية الخانقة على استقرار البلاد والعباد، وعلى مشاريع البناء والتنمية. فالحالة العراقية، وما شهدته من تجارب مريرة خلال العقود الثلاثة الماضية، تُعدُّ خير شاهد على ما نذهب إليه. لا سيما أن ما دمّر البلاد وشلّ قدراتها البشرية والعمرانية هو الصراعات بين القوى السياسية، أو بين من يعتبرون أنفسهم ممثلين لمكوّن من مكونات المجتمع ضد الآخرين من أبناء البلد.
والصراع، في حد ذاته، لا يعني بالضرورة التقهقر أو الفشل دوماً. فهناك نظريات فلسفية عديدة، مبنية على تجارب حيّة، ترى أن الصراع حالة إنسانية ومجتمعية ضرورية للتطور والتحول والتغيير. فالفيلسوف الألماني الشهير فريدريش هيغل (1770-1831م) يؤكد أن «الصراع ضروري للتطور التاريخي والوعي الإنساني». لكن الصراع الذي نعنيه هنا هو ذلك الذي يخرق قواعد اللعبة السياسية ويتحكم به منطق الغاب، مما يؤدي إلى اللاعدل والاستياء وخرق الحقوق، وبالتالي إلى تداعيات سلبية أخرى، خصوصًا إذا كانت هذه الصراعات تدور في حقل السياسة وإدارة الدولة.
انعدام ثقة
فالصراعات في هذا الحقل الاجتماعي، حين تقوم على منطق فرض الوقائع بالقوة المعنوية أو المادية، فإنها تؤدي لا محالة إلى تمزّق المجتمع، وانعدام الثقة بين الأفراد والمؤسسات، وتفشي خطاب الحقد والكراهية، وتعطيل مسارات التنمية، بل وقد تصل إلى هجرة العقول والكفاءات، كما كان الحال في عراق ما بعد النظام البائد و قبله. والأسوأ من كل ذلك أنها تفتح الباب أمام التدخلات الخارجية، خاصة أن الصراعات السياسية الداخلية، كما يُقال، تجعل المجتمع هشًّا وسهل الاختراق من قبل قوى خارجية تسعى لخدمة مصالحها بدعم طرف على حساب آخر.
لذلك، ينبغي علينا، نحن أبناء هذا الوطن الواحد، أن نعي جيدًا مخاطر هذه الأنماط من الصراعات، وأن نعمل على الحدّ من حدّتها، بل ونسعى إلى استثمار الخلافات الداخلية لتوسيع آفاق التفكير وإيجاد حلول جذرية للأزمات، لا لزيادتها وتعميقها.
أما الوضع الراهن بين بغداد وإقليم كردستان، فيما يتعلق برواتب موظفي الإقليم، فيُعدّ أحد أبرز الأمثلة الحية التي ينبغي أن نتعامل معها بحكمة واحتواء، وبأي ثمن. ويجب أن نُطَمئن المواطن في كُردستان بأنه لا خوف على حقوقه، طالما أن هناك إرادة حقيقية لعدم تأزيم الموقف، وأن الجميع يعمل على إيجاد حلول قانونية وإدارية ودستورية، دون أن يكون ذلك على حساب لقمة عيش أي مواطن، فهو في النهاية عراقي الهوية، حتى وإن أقرّ الدستور بخصوصيات سياسية وإدارية وثقافية وجغرافية، وشكّل له هويات فرعية أخرى.