التسونامي النووي.. حين تغضب الذرّة وتثور البحار
شيرزاد نايف
في إحدى منصات التواصل الاجتماعي، صادفت منشورًا لصديق يتحدث فيه عن احتمال اندلاع تسونامي نووي بسبب حرب محتملة بين إسرائيل وإيران. للوهلة الأولى بدت الفكرة صادمة أو حتى درامية، لكنها لم تكن غريبة عليّ تمامًا.
فمن خلال دراستي العسكرية، مرّت بي سيناريوهات مشابهة، تُطرح أحيانًا على طاولة التحليل الاستراتيجي أو في تمارين المحاكاة، وكان يُشار إليها بلغة واقعية صارمة، لا تحتمل التهويل ولا التهوين.
لقد علّمتني تلك التجارب أن أسوأ الكوارث ليست تلك التي تفاجئنا، بل تلك التي نملك كل المؤشرات لحدوثها، ومع ذلك نتجاهلها. ومن هنا، وجدت نفسي مشدودًا لكتابة هذا المقال، ليس بوصفه تمرينًا في التخيل، بل كتأمل فلسفي-علمي في أحد أشد السيناريوهات كارثية: التسونامي النووي.
بين إسرائيل وإيران: ما وراء الجغرافيا
تُعرَف منطقة الشرق الأوسط بكونها مسرحًا متوترًا للصراعات الأيديولوجية والتاريخية، لكن ما يجعل الحديث عن حرب بين إسرائيل وإيران مرعبًا، هو أن الأمر لا يتعلق فقط بجبهات برية أو غارات جوية، بل بإمكانية انزلاق الأمور نحو استخدام الأسلحة النووية، خاصة مع التهديدات التي تلوّح بها بعض الأطراف بصناعة "قنبلة قذرة" أو استخدام الرؤوس النووية التكتيكية.
السؤال الأعمق هنا ليس فقط "ماذا سيحدث لو استخدم أحد الأطراف السلاح النووي؟" بل "ماذا سيحدث لو تم تفجيره في البحر؟".
التسونامي النووي: حين ينفجر الماء
إن تفجير رأس نووي في البحر، لا يؤدي فقط إلى تدمير محلي محدود، بل يُحدث سلسلة زلازل مائية ضخمة قادرة على توليد موجات تسونامي مشعة، تمتد لآلاف الكيلومترات، فتضرب السواحل وتغمر المدن وتخلط الماء بالنار، والملح بالإشعاع.
علميًا، موجات التسونامي الناتجة عن تفجير نووي مائي تختلف عن الزلازل الطبيعية من حيث نمط الطاقة. فهي موجات تُولد بفعل حرارة فورية تعادل ملايين الدرجات، تسبب غليان الماء وانضغاطه، ثم تمدده بشكل وحشي، فيندفع إلى اليابسة كجدار من الماء المحمل بالموت الإشعاعي. لا يُغرِق فقط، بل يلوّث التربة، يدمر الأنظمة البيئية البحرية والساحلية، ويجعل مناطق شاسعة غير صالحة للحياة لقرون قادمة.
كارثة لا وطن لها
الفلسفة تعلمنا أن الشر لا يعرف حدودًا، وهذا ينطبق على الكوارث النووية. لو تم تفجير قنبلة نووية في عمق الخليج أو في شرق البحر المتوسط، فإن الموجات الناتجة لن تسأل عن جنسية الضحايا. ستضرب شواطئ إيران، الخليج العربي، سواحل السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، وقد تصل إلى باكستان والهند. وفي المقابل، في المتوسط، قد تتأثر تركيا، قبرص، لبنان، سوريا، وربما سواحل أوروبا الجنوبية.
الماء، الذي كان دومًا رمزًا للنقاء، سيصبح ناقلًا للإشعاع والوباء. ستصبح المحيطات التي تغنّى بها الشعراء قبرًا مفتوحًا، وتنقلب فلسفة "الماء هو الحياة" إلى "الماء هو الهلاك".
هل الطبيعة بريئة؟
إن تسوناميًّا نوويًّا يطرح علينا سؤالًا فلسفيًّا حادًّا: هل الطبيعة هي من ينتقم منا، أم أننا نحن من نغتصب قوانينها؟ الإنسان، الذي فكّك الذرّة من أجل المعرفة، عاد ليعيد تركيبها من أجل السيطرة، ثم يلوّح بها كورقة تهديد.
الحرب النووية لا تعني فقط موت الإنسان، بل موت المعنى. موت الجمال، موت البحر كرمز للحياة، وموت الغد. إنها حرب تنقلب فيها الحضارة على نفسها.
نهاية أم بداية لوعي جديد؟
أحيانًا، تكون الفكرة المرعبة محفّزًا على صحوة جماعية. لعلّ حديث صديقي على السوشيال ميديا ليس دعوة للذعر، بل صرخة في وجه الجنون. تسونامي نووي ليس خيالًا علميًا فقط، بل سيناريو ممكن الحدوث، والحديث عنه اليوم هو نوع من التحصين العقلي، والدعوة إلى إعادة التفكير في جدوى الأسلحة التي صنعتها الحضارة لإفناء نفسها.
إننا لا نحتاج إلى نبوءة نووية كي نعيد ترتيب أولوياتنا. نحتاج فقط إلى الشجاعة لنقول: لا للحرب، لا للغواصات المحملة بالموت، لا للتجارب التي تجعل المحيطات مقابر جماعية. واخيرا مقال قد يصنع فرقًا. كلمة قد تضيء عتمة. والفكر، حتى في أحلك الظروف، يبقى النور الأخير. وبين كل هذا، يبقى الأمل بأن نغلب منطق القنبلة بمنطق الكلمة.