هل تلغي الفاشية الحقوق ؟
600 يوم من الدم لم يشبع إسرائيل
جاسم مراد
في مقاربة لتطورات الاحداث الفلسطينية الإسرائيلية ، بعد السابع من طوفان الأقصى عام 2023 ، في البدء لابد من التذكير إن الطوفان جاء نتيجة لحصار إسرائيلي لمدينة غزة اكثر من 15عاما يرافقه شبه يومي هجمات عسكرية وقتل وتدمير للبنى التحتية ، حتى الصيادين في البحر الملاصق لمدينة غزة لم ترحمهم اشباك الصيد والسنارات من القتل ، هذا بالإضافة الى فقدان الأمم المتحدة قدرتها على أي عمل ينصف الفلسطينيين ، وهي قرارات صادرة من الأمم المتحدة ذاتها ، بالإضافة الى فقدان أوروبا وامريكا كل دعوات حقوق الانسان والطفولة والمرأة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني ، بل استمرت هذه الدول والمنظومات التابعة لها على غياب الحقوق الفلسطينية بغية الغائها تحت خارطة التوسع الاسرائيلي ، وركزت على مشروع ابراهام دون أن يقابله الاعتراف بالحقوق الفلسطينية التي كفلتها كل المنظمات الأممية ولا التصدي ووقف الاستيطان الصهيوني بالضفة الغربية .
قوة عسكرية
أمام هذا الوضع كان لابد من نهضة فلسطينية ، بعد غياب الموقف العربي ، بل تراجعه ، فكان طوفان الأقصى ، نفذه فرسان حماس ، واشتركت بعد ذلك كل فصائل المقاومة ، هنا تبرز القيمة التخطيطية والتكتيكية والهجومية العسكرية لحماس ، في مواجهة اقوى قوة عسكرية واستخبارية وتكنلوجية إسرائيلية في الشرق الأوسط ومعها كل قوى الاستعمار ، مستخدمة أدوات والات بدائية ، لكنها تمتلك قوة صمود وهجوم وتضحية ، يفقدها الكيان الإسرائيلي ، مما جعل فرقة عسكرية تسمى فرقة غزة وهي اقوى فرقة عسكرية إسرائيلية ومقرات امنية واستخبارية ومستوطنين تحت سيطرة المجموعات المقاتلة لحركة حماس ، أنهم لا يخافون الموت ، بل مرات عدة يهرب الموت منهم .
ثم بدأت الحرب على شعب غزة ، استخدمت إسرائيل كل ما تمتلكه من أسلحة الدمار ومعها الحديث من الصناعات الامريكية والأوروبية العسكرية ، والهدف واضح ليس قتل اكبر عدد من أطفال ونساء ومواطني غزة ، وإنما الهدف اجبار هذا الشعب على التخلي عن موطنهم ، مثلما فعلوا عام 1948بغية احتلالها وتشريد أهلها ، ولعل ما طرحه ترمب من خطة التهجير بأسلوب مختلف عن عام 1948ينسجم ويتفق مع المشروع الإسرائيلي للنتن ياهو وبن غفير وسموتريش ، وان جاء بصيغة أخرى ، ولكن هنا السؤال من الذي اسقط هذا المشروع ومرادفاته من المشاريع الإسرائيلية ، اسقطه شعب غزة ، نعم شعب غزة ، الذي قدم انهار من الدم حيث وصل عدد الشهداء حتى قبل يومين من نهاية شهر أيار ، الى 54 الف شهيد اغلبهم من الأطفال والنساء و ( 123) الف جريح ، وهناك المئات مطمورين تحت الأرض .هنا يجب قول الحقيقة ، إذا نجح الموفد الأمريكي لوقف حرب الإبادة في غزة ، فأن ذلك يرجع لشعب غزة، صموده تضحياته عدم تخليه عن المقاومة ، صحيح إن لدور الوسطاء المصريين والقطريين والامريكيين مهم في هذا السياق ، لكن الأهم من الجميع هو صمود وتضحيات شعب غزة .نعود هنا لاكتشاف معادلة الصراع بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي ، فعلى مدى اكثر من ( 70) عاما لم يترك الشعب الفلسطيني كل وسائل النضال دفاعا عن حقه في وطنه ودولته الوطنية ، بالمقابل لم تترك إسرائيل كل وسائل القمع والقتل والاستيلاء على الأراضي ، ولكن طوفان الأقصى فجر الصراع بشكل واضح ، وخلق تطوراً واضحاً على المستوى الأوروبي ، فالشعوب الأوروبية اتخذت انحازا واضحا للشعب الغزاوي ، ولم تقبل ان ترى ذبح الأطفال وانتهاك صارخ للإنسانية من قبل إسرائيل ، في حين الدول الأوروبية تتلاعب بالمواقف وتمارس سياسة الكيل بمكيالين ، حتى وصل الامر بربط العنصرية الإسرائيلية عمليات التجويع مع استمرار العمليات العسكرية الشاملة لمواطني قطاع غزة ، هنا تطور الموقف الشعبي الأوروبي الضاغط على الحكومات ، وتغيرت الكثير من المعادلات والمواقف الحكومية الأوروبية .( 600) يوم من الحرب الإسرائيلية على غزة ، وهي اشرس واقذر حرب عرفها التاريخ المعاصر ضد شعب لايتجاوز عدده عن ( 2400) مليون انسان محاصر بمساحة ارض لا تتجاوز ( 300) كيلو متر ، ورغم كل ذلك ظل الشعب متمسك بارضه ويرفض قطعيا الخروج منها وظلت المقاومة رغم الخسائر تقاتل وتوقع خسائر واضحة في ضفوف الجيش الإسرائيلي ، منهم من رفض القتال في غزة ومنهم الالاف من أصيب بالهلع والكأبة وامراض نفسية متعددة ، هنا من الذي غير بموازين الصراع ، هو شعب ومقاومة غزة ، الذي سيدفع العديد من الدول الأوروبية الى تغيير المواقف باتجاه حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، فلم يعد امام العالم الغربي الذي يطرح حقوق الشعوب وسلامة الانسان إلا الإقرار بحل الدولتين ، وبدون ذلك لا مخرج لإسرائيل من طوفان اخر أو على اقل تقدير شكلا جديداً من ملاحم نضالية قل مثيلها في الصراع الفلسطيني الصهيوني ..