الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
محتوى قاتل ولكم الأمر

بواسطة azzaman

كلام أبيض

محتوى قاتل ولكم الأمر

جليل وادي

 

قد نجد تبريرات كافية لقيام الجهات المعنية بملاحقة الفتيات اللواتي ينشرن على صفحاتهن في مواقع التواصل الاجتماعي ما يطلق عليه بالمحتوى الهابط، كانتهاك هذه المنشورات للآداب العامة التي لا نعرف لها حدودا، او تعارضه مع القيم والعادات الاجتماعية السائدة والتي ليست بالضرورة جميعها صحيحة، او انها لا تتوافق مع عقيدتنا الاسلامية التي نريد لها الشيوع في الأوساط الشبابية من دون تطرف او غلو، ففي جوهر عقيدتنا ما ينمي الشخصية، وما يجعل لمجتمعنا هوية وخصوصية تميزه عن غيره من البشر ، لكن توظيفها سياسيا واجتماعيا وبطرق قسرية يُراد به غلق أبواب الحوار والنقاش امام الآراء الجريئة التي تفند هذا التوظيف بما يسمونه عدم جواز مناقشة المقدسات.

ربما تشاركوني القول : بأني لم أسمع بمطاردة تلك الجهات لبعض رجال الدين، مع ان خطبهم ومحاضراتهم تنطوي على ما يمكن وصفه بالمحتوى القاتل، فما ينشرونه من مقاطع فديوية  يندرج في اطار الخرافات والحكايات غير المنطقية التي لا يتقبلها العقل السليم، فضلا عن نسبها لرموز تاريخية او تدور حولها، مع ان تلك الرموز أرفع وأسمى مما يُحكى عنها.

وأظنكم لا تختلفون معي ايضا بان شخصيات مستقلة او سياسيين بمراتب عالية يبثون عبر وسائل اعلامية مختلفة وعلى مدى عقدين من الزمن مضامين تشيع الكراهية والبغضاء بين مكونات مجتمعنا بما يؤدي الى تمزيق اواصر المحبة بين أفراده وشرائحه، متجاهلين انه للتو تعافى من سموم الطائفية التي عمل عليها سياسيون كان الفوز في الانتخابات او الحصول على منصب معين يتقدم عندهم على وحدة المجتمع، وأوصلوا الأمور الى تهجير مكونات أصيلة غدا العراق بدونها بلا معنى، ولم تجد معهم همسات الحكمة القائلة : ان قوة العراق وجماله تكمن في تنوعه المجتمعي، لكن دافع الوصول الى السلطة كان أقوى، وهذه هي اللاوطنية بأوضح معانيها، ومع قرب الانتخابات الجديدة نلحظ تعالي أصوات الطائفية والعشائرية والمناطقية والقومية ثانية، وتلك التي تدس السم بالعسل كما يُقال.

واذا كانت منشورات الفتيات تخاطب الغرائز الشبابية، فان منشورات بعض رجال الدين والسياسة تخاطب العقول، ومعروف ان تأثير الغرائز قصير المدى، لكن ما يوجه للعقول يمتد لجيل بكامله، وهذا يعني ان منشوراتهم قاتلة بلا شك، ولكن هل سمعتم بحجز او سجن سياسي او رجل دين يبث مضامين الكراهية، او يرسخ التفكير الخرافي المبني على الجهل والعوق العقلي، انا لم أسمع، هل سمع حضراتكم؟. بتقديري ان على الجهات المعنية التصدي وبحزم لمثل هؤلاء، لأنهم يدمرون العقول التي نريدها أن تكون مستنيرة لا تتحكم بها الخزعبلات والخرافات والأساطير، او ان تحركها مضامين طائفية تتنافى مع المفاهيم الانسانية وقيم المواطنة التي تفترض عدم التمييز على أساس المذهب او القومية او الجنس او اللون او العرق. لا يمكن لبلادنا النهوض ان لم يواجه القائمون عليها وبشجاعة الذين يغلفون الأفكار العفنة برداء الدين، حتى غدت صورة الاسلام في أذهان بعض شبابنا والآخر الأجنبي قاتمة السواد.

طبعا لا يقتصر المحتوى القاتل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تصنف على ما هو شخصي فحسب، بل وفي وسائل الاعلام التقليدية (الاذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة)، وكذلك في الجوامع والحسينيات، في أحيان كثيرة أتردد في الكتابة عن بعض الأمور بسبب سطوة المقدس: ومنها ان مسكني محاط بأربعة أماكن للعبادة، ولا يكتفي القائمون عليها برفع الآذان عبر مكبرات الصوت فقط، وانما يُكملون الصلاة والدعاء، وكذلك القاء الخطب في أيام الجمع بأساليبهم الخطابية الرنانة والمفتعلة، بحيث يتعذر عليك التمييز بين هذا وذاك، اذ تتداخل الأصوات فلا تفهم منها شيئا، وتغدو مزعجة ومقرفة، ولم يخطر في بال الامام وجود مريض او متعب في المنازل القريبة من هذه الدور، وليس أمامك سوى انتظار انتهائها بفارغ الصبر، كما كان أطفالنا ينتظرون انتهاء فقرة القرآن الكريم في تلفزيون العهد السابق ليستمتعوا فرحين بأفلام الكارتون.

 

jwhj1963@yahoo.com


مشاهدات 77
الكاتب جليل وادي
أضيف 2025/05/31 - 2:19 PM
آخر تحديث 2025/06/03 - 12:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 110 الشهر 2839 الكلي 11137493
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/6/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير