فاتح عبد السلام
ليس فقط لأنّ نائب الرئيس ترامب قال انّ الأمور تسير في الاتجاه الصحيح في مباحثات الملف النووي مع ايران، لكن عدة معطيات دولية وتطورات ورسائل ذات مغزى كانت نصب عيون إيران في الأسابيع الأربعة الأخيرة، وستجعل المناورة الإيرانية التي كانت نشيطة في اندفاعتها مع انطلاق المفاوضات، محدودة اليوم ومؤطرة تحت السقف المعروض من واشنطن، بعد فقدان الورقة الحوثية، اثر اتفاق وقف إطلاق النار مع الجانب الأمريكي. وقد سارعت إيران للترحيب بالاتفاق وقبلها كانت قد تبرأت من اية علاقة بقرار الحوثيين مهاجمة اهداف في إسرائيل أو في البحر.
المفاوض الإيراني له خبرة عالية، ويعرف مسارات النجاح وسيذهب الى قطف النتيجة المطلوبة والمنتظرة وهي رفع العقوبات الاقتصادية المدمرة من خلال اتفاق قد يشبه الاتفاق السابق مع رتوش تقتضيها الحقبة الترامبية الثانية، ولعل إيران تجيد السير باتجاه الإيحاء بإرضاء مطالب ترامب بوصفها مكاسب له، بالرغم من انها كانت مستنسخة عن الاتفاق السابق الملغي مع التعديلات الظاهرة.
بعد نهاية المواجهة في اليمن اثر ضربات ماحقة للاقتصاد والمرتكزات العسكرية لحكومة صنعاء، وبعد خروج حزب الله اللبناني من الدور الحربي الى دور داخلي لبناني بالكاد يُرى، وفي ظل توافق الوضع الحكومي بالعراق مع الموالين لإيران لعبور السفينة بدل أن تغرق بالجميع في ليلة وضحاها، ولا ننسى أهم العناصر وهو التغيير النوعي في سوريا، بعد كل ذلك ، ليس أمام ايران أن تكابر، وليس لها إلا أن تنظر للمصلحة القومية الداخلية، فالمشروع الإيراني الخارجي الذي ولد مع « الثورة الإيرانية» جرى تشييعه الأخير في صنعاء، ولعل موعد دفنه لم يعلن بعد، و سيكون قريبا في بلد عربي مهم، ولكن في النهاية ستكون ايران أقوى في استعادة مرتكزات النظام في الجبهة الداخلية، وستنشغل بمشاريع استراتيجية كبرى من روسيا والهند وباكستان والصين نحو الاقتصاد الأوربي الذي سيرحب بها بعد اعلان الاتفاق النووي ورفع العقوبات، ولعل الاندفاعة الاوربية نحو طهران تنتظر صافرة الإشارة فقط، وستكون أقوى من سواها في ظل الشد مع الولايات المتحدة . هذا تحليل للمسار الطبيعي الظاهر في الأفق. أمّا ان تولد بولادات قيصرية قرارات فردية خارج السياق لنسف كل المتحقق، فتلك الطامة الكبرى التي لا احد يستطيع تفاديها، وستدرك لاحقاً إيران قبل سواها، على رأس مَن ستنزل.