الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دار.. دور في دارنا معلم مكسور

بواسطة azzaman

دار.. دور في دارنا معلم مكسور

نهلة الدراجي

 

تتكئ الأوطان على أكتاف أبنائها، ومنهم المعلّم حيث ينهض كل صباح، لا بترف الجاه ولا بهالة السلطة، بل بروحٍ أنهكتها الخيبات، وعينٍ تقرأ في وجوه طلابه ما تبقّى من أملٍ في وطنٍ ينسى من يُشعلون شموعه. هو المعلّم، الذي كان يومًا رسولًا للعلم، وصوتًا للحكمة، ويدًا تمسك القلم لتفتح به أبواب المستقبل، صار في وطنه غريبًا، مكسور الظهر، مهمّش القَدْر، تتقاذفه الوعود الزائفة، وتخذله السياسات العمياء. فهل يُعقل أن يُهان من علّمنا كيف نتهجى اسم الوطن؟

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا

                      كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

 يُقال إن الأمم تُبنى على أكتاف مُعلّميها، وإن العلم وحده من يشقُّ طريق النور وسط الظلام. في اليابان، حيث تُصنّف مهنة التعليم ضمن أكثر ثلاث مهن يُجلّها المجتمع، يمنح المعلّم راتب الوزير، وحصانة الدبلوماسي، ومكانةً تعلو على الجميع. أما في العراق، فالمُعلّم لا يملك من هذه الامتيازات شيئًا، سوى صبرٍ يشبه صبر الأنبياء، ومعاناةٍ لا يشاطرها معه أحد. حين يُصبح مَن علّم الأجيال، وأضاء طريق العقول، أشبه بمعدمٍ يتسول الكرامة على أرصفة النسيان، فاعلم أن خللاً جسيماً قد ضرب جذور المجتمع. يُهان المعلم اليوم في بلاده، لا لأنّه أخطأ، بل لأنّه اختار أن يكون معلماً. مهنةٌ كانت تُقاس يوماً بمقام الأنبياء، أضحت اليوم رقماً زائداً في كشوف الرواتب.  مفارقة موجعة أن يُجبر المعلم على العمل في بيئة لا تليق بإنسانيته، ولا تحترم رسالته، وأن يُمنح راتباً لا يكفي سد احتياجاته واسرته، ناهيك عن أن يوفّر لهم حياة كريمة. فكيف نطالبه أن يكون قدوة، وهو ضحية؟ كيف نريده أن يُخرج جيلاً واعياً، وهو محروم من أبسط حقوقه، ومن أدنى درجات الاحترام؟ لقد تحوّلت مهنة التعليم في العراق إلى مرآة تعكس ما آلت إليه أوضاعنا من تراجع حضاري وأخلاقي. فالمعلم الذي كان يُستقبل بالوقوف، صار اليوم يُقابل بالسخرية، والتعليم الذي كان يُعدّ رسالة سامية، أصبح يُعامل كعبء إداري في ميزانيات الدولة.

وفي وقتٍ يُنفق فيه على المهرجانات والخطابات والشعارات و و و...، يُترك المعلم وحده في مواجهة واقعٍ قاسٍ، لا مدارس تليق، ولا أدوات تعليم، ولا حتى بيئة نفسية تحفظ له كرامته. فهل يُعقل أن نطلب من رجلٍ جائع أن يُشبع عقول أبنائنا بالمعرفة؟ وهل ننتظر من مهنةٍ مُهانة أن تزرع المجد في نفوس الأجيال؟

إن كرامة المعلم ليست مطلباً ترفياً، بل هي شرط وجودي لأي نهضة. فكل أمة أسقطت معلمها، أسقطت مستقبلها، وكل حكومة تجاهلت صوته، كتبت بيدها شهادة فشلها. أعيدوا للمعلم هيبته، قبل أن نُصبح أمة لا تقرأ، ولا تفكر، ولا تحلم. أعيدوا له وقاره، لعلّ الشارع يستعيد بعضاً من أخلاقه، والمدرسة تستعيد بعضاً من دورها. فالقُمامة لم تعد في الحاويات، بل صارت في العقول التي هجرت العلم، وفي السياسات التي أهملت من علمها تهجي الحروف: «دار... دور... في دارنا معلمٌ مكسور».

إن المعلم ليس مجرد موظف، بل هو جذر الأمة، ونورها، وضميرها. أعيدوا له الحياة، فبموته تموت الأوطان فإن أهدرتموه، أهدرتم الوطن..مع خالص التقدير لكل معلم يقف اليوم شامخاً رغم الانكسار.

 

 


مشاهدات 169
الكاتب نهلة الدراجي
أضيف 2025/04/08 - 11:06 PM
آخر تحديث 2025/04/14 - 1:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 660 الشهر 13221 الكلي 10593868
الوقت الآن
الإثنين 2025/4/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير