الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شعرية الطّلل في قصيدة" رسالة لم تصل إلى خولة" للشاعر عبد الجبار الجبوري


شعرية الطّلل في قصيدة" رسالة لم تصل إلى خولة" للشاعر عبد الجبار الجبوري

أحمد الشيخاوي

 

لعلّ الملفت للاهتمام في تجربة الشاعر العراقي عبد الجبار الجبوري، التي راكمها في جملة من المجاميع المراعية لشروط ما هو نوعي، مباغت بآليات التجديد وعدم اجترار الذات، في كل كتابة جديدة، تلكم الفولاذية المتسمة بها شخصية المبدع المتلوّن والمتحول مع المنعطفات السياسية والحياتية، بحكم انحداره ــ ربماــ من وطن التحولات والهزات الوجودية والحضارية الكبرى، عبر التاريخ.

بذلك، هو انتماء أثّر إلى حدّ كبير، في وعي وذوق الشاعر، جاعلا منه اسما نموذجيا يتقن الاسقاطات ويطوّع التفاصيل، في ضوء آفاق الاشتغال المحكم على تقنية السهل الممتنع، مسخّراــ بالتالي ــ مشروعه الشعري، لتأصيل ثقافة تقاطع الحمولات النفسية والوجدانية، راعيا لتعبيرية تشاكل دوال الأنثوي والهوياتي، بما يصون لقصيدته تطورها وتميّزها وفرادتها.

يقول:

 

{هنا..

ديارُ خولة، وهذه مضاربُ بني عبس...

تلك..

مضارب أهلي رحلتْ في التيه..

تبحثُ..

عن بقيا ديار لخولة...

تركتُ لها .

قلبي ترعى فيه الإبلُ...

نأتْ عنّي..

مضاربُ خولة، وبقيَتْ أطلالُها شاخصةً بدَمي..

بكيت خيلها..

حين بقي السيف فردا..

لم أنم ليلها...

كانت خيول الغزو تركض في براري اليقين..

وكنت وحدي... }

في تأمل هذا المقطع، ما يدفع بالمتلقي إلى مشاطرة الذات الشاعرة بكائيتها، ضمن حدود سردية ما تلبث تغوص في الموروث، وتستفز بفصول الذاكرة البعيدة، كما تسقط على تخشّب الآني، من تجليات الرموز، كما لو أن السياق يروم إحداث الصدمة الضرورية، والزلزلة اللازمة، لإبطال الخدر العقلي، والحد من الذبول الروحي الذي بات يكابدهما، هذا الجيل، جراء التشظي الهوياتي، بدرجة أولى.

فالسيف لم يعد له معنى، ما أضرم نظير هذا الحنين إلى تاريخ الملاحم والبطولات والأمجاد.

أيضا، الحب، فقد قدسيته ورمزيته، ما فرض مثيل هذا الاستدعاء الطقوسي المختزلة شتى معانيه في مفردة" مضارب".

كامل هذا الانكسار، فجّر في الذات، مغامرة الانجذاب إلى نثار الموروث العربي الخامل، وهي في غمرة هواجس المنفى القهري، بالتأكيد، فثرثرت، حتى لا أقول همست، فالمناخ هنا للأولى، من غير جدل، ترثرت هذه الروح، أو الذات المتشظية والمغتربة والمنكسرة، بالتيمة الطللية، ولوّنت بشعريتها كامل معمارية القصيدة التي تعادل تجربة مختمرة وكاملة، قد تسكب عصارتها في عروق واقع سياسي وحياتي وإنساني كامل.

يقول كذلك:

{شطّتْ بنا الإبلُ..

مذ هوى عرش كسرى..

لم تقم له قائمة في النوى..

وكان الزمان لوحة ترسمها الدماء الأصيلة..

مضى الزمان كله..

ومضت خيله، تخب الرمل الى صنعا...

وما دنا الغضا...

كانت عيون خولة..

تجترحُ الأسى، وتطوي البيدَ مِثْلي..

ما غفتْ يوماً عيونُ خولة..

لا..

وما غفتْ عينُ اليمامِ ولم تزلْ..

كنتُ...

أصرخُ في التيه...

أعرّني سيفَكَ المسلولَ أيّها الفارسُ المقتولُ..

لم يسمعْ صرّختي...

كانت سيوفُ القبيلةِ تحزُّ رأسي..

وانا ممدّدٌ على الارض أحصي سيوفهم الصدئة..

سيوفهم..

التي ما قتلت ذبابة كما يقول نزار..

نأت فينا الديار...

وظلَّ وجهُ خولة يظلّلُ هامتي...

أنى اتجهت...

كلما...

داهمني الحزن المنقوش على جسد القصيدة...

قلتُ...

وحيداً كنتُ.. }.

بذا، تلكم القفلة الذكية والمجاورة دلاليا لمعاني الاغتراب والانكسار، تلح بحلزونية دورتها وزئبقيتها، تجسدها لازمة" وحيدا كنت.."، كي تشد دائما إلى الجذر، وتورّط بتأويلات التيمة" الطللية" حسب ما تنم عنه هذه الأنساق في حدود العملية التواصلية تبعا لمنسوب تشبعها من وصايا الظاهرة الجبورية.

إن المقابلة بين الصحراء العربية، التاريخ الجاهلي، تحديدا، مثلما تقترحه وتبسطه القصيدة، سواء ضمنيا أو واجهاتيا، من جهة، و" الحضارة الغربية" في أوجها، المنفى الاجباري، دولة تركيا، من جهة ثانية، علما أن المشترك الديني هو ما يجدر تكريسه حاليا، تعدّ مقابلة صريحة بانية لدوال التصالح مع الذات والآخر والعالم، برغم هيمنة مشاعر البكائية والانهزامية والأوبة إلى الأمجاد الذاكراتية عبر استرجاع حيثياتها مسايرة للحضور النرجسي الذي أملته تجربة الاغتراب المؤقت.

كما يقول:

 

{أبحثُ..

عن نجمةٍ غَفَتْ..،

في ليالي التراب..

تضيءُ لي أزمنتي..

وتزيحُ عن روحي جبالَ العذابْ..

عندها..

أشيلُ عن كَتفِي براثنَ غربتي..

وأبني لها..

مدينة من الأسى في أقصى الدّنى...

وأهيلُ...

على قلبي....

حفنةً من ترابِ قبرِها..

وأصلّي...

ركعتينِ في الغيابْ... }.

هنا إحالة إلى تجربة العشق الأسطورية التي عرف بها مجنون ليلى، قيس بن الملوح، يورد انثيالاتها، شاعرنا المحنك، ويحرك خيوطها بكل دربة ومراس، ودائما في مناخ طللي مستفز وضاغط بالحمولة التاريخانية المسعفة بجرد سريات المقارنة، ونثر صور المحاكاة بين الماضوية العربية البريئة والحالمة والبسيطة على الرغم من تعددية أضرب جهالتها، بمعنى من المعاني، وراهنية الفوضى والدموية والجنائزية والانشطار الهوياتي والاغتراب الروحي، التي راحت تختبرنا على مضض، ونتجرع على ظمأ عرقي ووجودي كبير، مرارة أبجديات وصايتها، اليوم.

القصيدة:

{هنا..

ديارُ خولة، وهذه مضاربُ بني عبس...

تلك..

مضارب أهلي رحلتْ في التيه..

تبحثُ..

عن بقيا ديار لخولة...

تركتُ لها .

قلبي ترعى فيه الآبلُ...

نأتْ عنّي..

مضاربُ خولة، وبقيَتْ أطلالُها شاخصةً بدَمي..

بكيت خيلها..

حين بقي السيف فردا..

لم أنم ليلها...

كانت خيول الغزو تركض في براري اليقين..

وكنت وحدي...

شطّتْ بنا الإبلُ..

مذ هوى عرش كسرى..

لم تقم له قائمة في النوى..

وكان الزمان لوحة ترسمها الدماء الأصيلة..

مضى الزمان كله..

ومضت خيله، تخب الرمل الى صنعا...

وما دنا الغضا...

كانت عيون خولة..

تجترحُ الأسى، وتطوي البيدَ مِثْلي..

ما غفتْ يوماً عيونُ خولة..

لا..

وما غفتْ عينُ اليمامِ ولم تزلْ..

كنتُ...

أصرخُ في التيه...

أعرّني سيفَكَ المسلولَ أيّها الفارسُ المقتولُ..

لم يسمعْ صرّختي...

كانت سيوفُ القبيلةِ تحزُّ رأسي..

وانا ممدّدٌ على الارض أحصي سيوفهم الصدئة..

سيوفهم..

التي ما قتلت ذبابة كما يقول نزار..

نأت فينا الديار...

وظلَّ وجهُ خولة يظلّلُ هامتي...

أنى اتجهت...

كلما...

داهمني الحزن المنقوش على جسد القصيدة...

قلتُ...

وحيداً كنتُ..

 

أخبُّ الرمل بصحراء القلب....

كانتْ..

كلُّ خيولِ الليلِ تجيءُ على صهوة البلاد الوحيدة..

كانت دمي..

وكانت خيام خولة ترحل في اضلعي..

وغيومها تمطر حزناً..

ونار الغضا بعيدة يلفها الأسل..

كنت اسال الرمل عن مضاربها..

واصرخ في عمق الصراخ اهلي..

من منكم يدلني عن خيام خولة...

ما دلني سوى قلبي...

بكيتُ...

من طول السّرى والعذابْ ...

صارتْ ديارُها مزاراً على النوى..

تطفو على ماء الاسى..

شطّتْ بنا القُبَلُ...

وصارتْ سراباً يبحثُ عن السّراب..

صِرتُ...

أبحث عنها وسط ركام الزمان الخرابْ...

لم أجدْ...

غيرَ قلبٍ سقيمٍ هدّهُ التّعبُ..

بَعُدتُ عنها..

صارتْ أمامي قمراً لا تراهُ العيون...

أعدّ نجوم السماء..

نجمةً..

فنجمةً...

ولا يجيء صبحها...

كان الليل يسري في السّرى..

يحملُ أنجمَهُ التعّبى..

ولا ينامْ...

أتعبنَي السّرى إليها..

ولا بريدٍ..

يأتي الى قصيدتي.

ليطفئ في روحي نارَ الكلامْ...

فمراكبي...

غرقتْ عند ساحلِها البعيدْ..

وصارتْ...

أثراً بعدَ عينْ..

يا.......

قمرَ الماضي تعالْ....

هذي أحجيتي الاولى..

تبحثُ عن ظلٍ لخولةَ في أقصى السؤال...

أعترف لكم..

تعيشُ في دَمي.

وتمشي معي أنّى مشيتْ..

تسهرُ كما أسهر في الليالي الطويلة..

تمسحُ..

دمعةً حدّرتْ على خدّ قصيدتي..

تضيءُ عُتماتِ روحي..

وهي حبيسة الظلام..

تطفئو حرائق ايامي..

وتنير دروب أحلامي..

أحملها..

كما أحملُ التّعب..

وتحملُني..

صخرة سيزيف على ظهر الندم..

أصحو...

وتصحو معي..

تسمعُ مثلي..

أغاني فيروز كما أسمعها وأحبها..

(ياجبل اللي إبعيد خلفك حبايبنا..)...

، تمشّطُ لي..

شعري..

وتعدّلُ ربطةَ عُنقي..

وتزيّنُ...

وجهي بعطر طفولتها..

وتطبعُ قبلةً حرّى على شفاهي...

فتهدأ روحي.

وتخضرّ كلماتي..

يمضي النهار..

وأعود...

تسبقني لهفتي ولوعتي..

شوقاً...

لمن يضيق بي بدنها النهار..

كلُّ شيءٍ....

صارَ محضَ ذكرى.

إلاّ حبُّها..

فهو قُبلةُ شعري ومواجعي..

وبيرق أحلامي..

حينما..

يصير الشوق آليها مزاراً..

حينها...

أسبلُ عينيّ في آخر الليل...

وأنام..

يحملُني الحلّْمُ إليها..

أطرقُ...

بابَ ليلِها...

وأدخلُ...

بعد أن أخلعُ نَعلي....

((أقَبّلُ ذا الجدارِ... وذا الجدارا((...

وأطوفُ في بيتها العتيق..

أبحثُ..

عن نجمةٍ غَفَتْ..،

في ليالي التراب..

تضيءُ لي أزمنتي..

وتزيحُ عن روحي جبالَ العذابْ..

عندها..

أشيلُ عن كَتفِي براثنَ غربتي..

وأبني لها..

مدينة من الأسى في أقصى الدّنى...

وأهيلُ...

على قلبي....

حفنةً من ترابِ قبرِها..

وأصلّي...

ركعتينِ في الغيابْ... }.

الموصل..

كازينو وكافيه آسطنبول...

٨/٤/٢٠٢٥

شاعر وناقد من المغرب


مشاهدات 328
الكاتب أحمد الشيخاوي
أضيف 2025/04/13 - 11:51 PM
آخر تحديث 2025/04/15 - 1:04 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 641 الشهر 14478 الكلي 10595125
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير