الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عنبُ الخيبة في (غزوة اللاذقية )

بواسطة azzaman

عنبُ الخيبة في(غزوة اللاذقية )

عباس الجبوري

 

١-اللاذقية هذه المدينة المتراخية على البحر الابيض المتوسط ..كل صباح تفتح عينيها على أمواج فيروزية تتدافع الى جرف صخري لتصنع صخباً لذيذاً يردع النعاس من التسلل الى أجفانها..هذا المثلث الجغرافي الجميل يبدو شبه جزيرة طبيعية تنتظر المواعيد مع السفن والبواخر والوجوه المتنوعة من العالم كله..وتبتسم لهم بغنجٍ ساحرٍ ووجه طليق..

٢-اللاذقية..يقول أديب سوري التقيناه في كازينو القلعة..هو اسم لوالدة الامبراطور سلوقي الثاني في القرن الرابع قبل الميلاد..وتكريماً لوالدته (لوديكيا)اطلق هذا الاسم على هذه المدينة..ثم تم تحويره مع الزمن ليصبح(اللاذقية)..وفي زمن الحكم الاموي سميت(لاذقية الشام) للتمييز عن مدن اخرى تحمل نفس الاسم..وهكذا تختلف الاسماء والعناوين ..ولكن لم تختلف المدينة وأهلها عن الشوق الى البحر والعيون الزرقاء والقامات الرشيقة ..وكرم الكلام والضيافة..

٣-في الطريق الى اللاذقية من دمشق على مسافة (٣٣٤كم)..وأنت في الحافلة الكبيرة ..السكون والقلق هما المسيطران على عقول ووجوه وألسنة الركاب.. ركاب بوجوه (غريبة)..ولهجات غير معتادة ..ولحى طويلة..تشير الى فقدان(الثقة) بين الجميع.. بعد أن كانت هذه الرحلة نقضيها على شاشة فيديو فوق السائق لمسلسلات غوار ..وأغنيات علي الديك وحاصودته التي غناها هنا في ريف اللاذقية قالها احد الركاب بعد ان نزلنا من الحافلة..

٤-عروس السياحة السورية (اللاذقية)..هنا الميناء والجبال وبساتين الليمون التي يغسلها المطر بغزارة في هذه الايام..كان يصلها نصف مليون سائح أجنبي وعربي..لتصنع له السجاد بخيوط ملونة مدهشة..وتسهر الى الفجر تحت قمرها الذي لايغيب الا بعد أن ينام البحر  تحت شمس تضحك من بعيد بحرارة ودغدغة دفئ وأمنيات..

٥-كل شي (تيبس) أي أصبح يابساً بلا ندى.. لاسياحة ولا سباحة ولا زائر ولاسائح..ولا سمك ولاطيور..ولازوارق..قالها الاديب السوري..وهو يعدد أسباب (غزوة الساحل) في الشهر الماضي ..

أ-الجمود الاقتصادي الذي ضرب حياة الناس وتوقفت رواتبهم ..ومنهم (حملة السلاح)الواقفون في الطرقات والمعسكرات ..فكانوا متهيئين للهجوم على (المدن الغنية) كما وصفها احدهم..للنهب والسلب ..

ب-احتقان طائفي..نتيجة تثقيف شيوخ المساجد وآمراء المجموعات الجهادية والسلفية والتي ترى في (الدم العلوي) ملهاة وقربات الى آلهتهم ان سال أو سفك على أرصفة المارة ..من أيادٍ وقلوب (هي كالحجارة أو أشد منها..)..

ج-ثأر سياسي لبيئة انحدر منها النظام السابق ..وراح (الحكام الجدد) يلاحقونه في وجوه شباب اللاذقية وبطون نسائهم وعيون أطفالهم ..شماتة وتشفياً وثأراً لكبت ٍ قديم ..وحرمان معتق في بطون الليالي الجائعة..

د-مبرر لاستمرارية الحال الجديد..كما تراها الفصائل المحتشدة حول الشام ..(وبنزين )يغذي دورتها الفارغة من الجدوى بعد أن انتهى المشهد الى نهاية مدورة ..خالية من الانجاز والتين والزيتون والمكدوس..والامل.. والسيران على حافات الانهر الوادعة ..بقمصان جديدة ..وجيوب تطرب ب(مصاري) وعملات صعبة..ومرتاحة

هـ-سبب فقهي .. يرى ضرورة استمرار يد الجهاد طليقة وهي تحمل السكين والبندقية..لان توقفها يعني( برودة) حرارة الجهاد التي يحتاجون اليها في قادم الايام والسنين .. بعد ان (اختارهم) الدين لتنفيذ مهمة الرعب والخلاص من المختلف ولو بالمشاعر والاصوات..

ز-هناك من يرى ان ماحدث في الساحل يعجل بمشروع (تفكيك) سوريا الى قرى أو أقاليم تسيطر عليها (قوة نفوذ) ..في الساحل واحدة وهي قريبة من الروس..وفي الجنوب السوري واحدة وهي قريبة من الكيان الصهيوني ..واخرى قريبة من الاميركان (اقليم قسد )وماحولها..لتبقى دمشق (قرية ) لوحدها..وهذا ما يظهر الان بالنفوذ الامني رغم عدم تصنيع حدود جديدة الى الان ..فراح يدفع بذلك..

ح-عودة الى جذور البداوة والتصحر والغارات ..والرغبة في السبي للنساء ..كمشهد ترى فيه بعض الذوات الصحراوية (رمزية) للنصر ..لابد ان تظهر بلون فاقع..

٦-غزوة الساحل ..والغارات الجوية (الاسرائيلية) جرت بتوقيت واحد عنوانه (وصاية القتل) على سوريا براً وجواً..لافراغ قلبها من العزم ..لتسقط مشلولة اليد واللسان..في ساحة الامويين ..المقلوبة السيف ..بلا نزال

٧-دول غربية وعربية تراجعت عن دعم النظام في دمشق وإكتفت بزيارات المجاملة وبرقيات العيد..وعادت بعض الدول تبحث في أوراق الشرع أولاً..وأنس خطاب (وزير الداخلية) ..وكلاهما على لائحة العقوبات ..وزاد الطين بلة  الاعلان عن مرحلة انتقالية بخمس سنين ..لرجلين( من أرباب السوابق) يطلبان من العالم نسيان (أيام الشباب) ومغامرات الفرسان على خيول (الصحابة) …

٨-تعيين اسامة الرافعي مفتي عام لسوريا وهو يتعبد بمذهب الاشاعرة.. وليس من السلفيين ..من جهة ..ويكفّر الشيعة من جهة اخرى ..زاد من الاحتقان (السلفي والشيعي) في حركة المحلات والمساجد والتثقيف ..ربما يزيد من الساخطين على الشرع الذي (ينام) الان على سرير (لوحده )في قصر الشعب البعيد عن احتمالات الاغتيال ..لهذه الاسباب وغيرها ..ويتحاشى الاحتكاك بالفصائل المنتشرة في الشام وعلى ريفها وأسوارها..

٩-كرس النظام مصطلح(البدعة) على الانتخابات وحقوق الاقليات ومشاركة المختلفين في الحكم..وراح يصنع (بشاراً) جديداً بلحية طويلة..تمتد على القضاء والتشريعات والمحاكم..مما أرعب السوريين المنتشرين في بقاع الارض ومنعهم من العودة الى (الماضي)..فاكتفوا بزيارة واحدة للاقرباء والتقاط الصور .. وانشاد قصائد الشوق على بقايا بردى الشفيف..

١٠-في طريق العودة الى دمشق يمر الوقت ثقيلاً ..ربما من القلق وربما من عدم التواصل مع المسافرين اللذين يجاورونك..وربما من الترقب لنتائج التحقيق التي طالت حتى نامت على طول المسافة بين البلدتين..

سوريا تنتظر أشياءً ربما غير واقعية..ولكن البنادق تنتظر جولات الدم القادمة التي سيكون أبطالها رفاق الخنادق والغابات السابقين في تصفية (حساب الدم) ..وسيكون بحراً هذه المرة لان قتال التعصب سيكون وجودياً ..

دعوت الله ان لايراق دم في سوريا التي (نحبها ) في مرقد السيدة زينب..

وفي الطريق الى بيروت تسمع الكثير من النكات ..وقصص الجمال والمستقبل ..التي لاتنسجم مع حكايات العائدين الى الشام..وستبقى سوريا تتشهى الحرية والتجوال في ليال الصالحية التي تقطر ذكريات رقيقة بأجراس صوت أرق ُ وأشهى من العسل..(لاتنسجم) مع حنظل الصحارى في دكاكين الغابرين…

عضو مجلس النواب العراقي


مشاهدات 93
الكاتب عباس الجبوري
أضيف 2025/04/13 - 11:48 PM
آخر تحديث 2025/04/15 - 9:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 593 الشهر 14430 الكلي 10595077
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير