بحثًا عن رفيق
لطيف القصّاب
حين بلغ منسوب الحزن أقصاه قررتُ التوجه إلى بغداد، وذلك في الساعة الأولى من فجر هذا اليوم؛ ولأن الرفيق قبل الطريق كما يُقال فقد اتصلت بأحد أصدقائي الكربلائيين المقربين مقترحًا عليه مرافقتي، وكنتُ شبه موقن بموافقته؛ لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفينتي. كان صديقي يعاني من حمّى شديدة أسلمته للفراش! فما كان منّي إلا أن اتصلت مباشرة بصديق عزيز آخر لكنه يسكن في أطراف مدينة الحلّة، وقد كانت المفاجأة غير سارة أيضا، فصديقي يعيش حاليا معمعان ترميم بيته، ومن دون وجوده في البيت ستسير الأمور على غير ما يُرام، كما هو الحال غالبًا حينما يوكل صاحب الدار مهمة مراقبة «الخلفة» لضميره!
ماذا أفعل هل أتخلى عن فكرة السفر؟ كلا وألف كلا، وبمجرد أن دخل الفجر خرجت أحث الخطى للكراج الموحد، ومن هناك إلى بغداد.
أصدقاء طفولة
وبينما أنا في منطقة العلاوي خطر في بالي أن أزور أحد أصدقاء الطفولة، وأقربهم إلى نفسي. صديقي هذا الذي أنا بصدد زيارته لم أره منذ ثلاثين عامًا. كان السبب في هذه القطيعة «زميل» مشترك نقل لي صورة قاتمة جدا عن صديقي الحميم! كم حاولتُ في ما مضى أن أعيد علاقتي مع الصديق الذي يحتل موقع القلب من خريطة الذكريات؛ لكن وشاية ذلك الزميل الكاذبة الحمقاء حالت دون ذلك.
من دون تفكير وعلى استحياء شديد طرقت بابه .
كان الصباح ما يزال باكرًا. قبل أن يُفتح الباب راودني احتمال أن صديقي القديم لابد أن يكون قد ترك البيت هو وعائلته منذ أمد بعيد، فمن ذا الذي يسكن في بيت واحد أكثر من نصف قرن؛ وذلك بملاحظة أن صديقي هذا مولود في البيت نفسه!
وبالفعل فقد كان الأمر كما توقعت! لكن المدهش والمفرح أن صاحب الدار كان يعرف صديقي وعائلته كما يعرف عائلته...وما هي إلا ثلاث دقائق تقريبًا حتى وصلنا إلى عتبة باب البيت المطلوب، ومن أول طرقة خرج شقيق صديقي الأصغر من ملامحه عرفته. كان يصغرنا بأربع سنوات.
ثلاثة عقود
لم يتذكرني أبدًا فطلبت منه الاتصال بشقيقه، ففعل على الفور، وعلى الفور سمعت الصوت الحبيب الذي فارقته منذ ثلاثة عقود إنه هو بالفعل! كان أكثر ما يزعجني في تلك اللحظة أن يكون صديقي قد نسيني كما هو حال شقيقه . قلت له أنا فلان يا فلان هل تتذكرني؟ وكم كانت الفرحة عظيمة حين ذكّرني ببقية رفاق الصف، وإنّه كان يفتقدني، ويبحث عنّي دون جدوى طوال تلك الفترة! كان صديقي في طريقه إلى مدينة ديالى فلم يتحقق مرادي برؤيته وجها لوجه لكنني كنت أستشعر وجوده في كل خطوة سلكتها في طريقي إلى شارع المتنبي مارًا بمحلات المنصورية والشيخ علي وخضر الياس. كل شيء في شارع المتنبي كان رائعًا هذا اليوم، وأسعار الكتب كانت منخفضة جدا جدا. اشتريت منها ما استطعت حمله منها؛ عشرة كتب بالتمام والكمال كانت بـ (مثابة) غنيمة أكثر منها عملية بيع وشراء...
كم وددت حينها أن يكون أحد رفاقي معي فتكون حينئذٍ غنيمتنا أكبر!