نقطة ضوء
لتذكير من لا قلب له
محمد صاحب سلطان
بعد أن مرت دقائق صمت أثقل من وزن الحديد،وهو يتردد في البوح بما يريد قوله، وبما يعتمر في صدره، فجأة، أزاح صاحبي وزميلي، الخوف المقبور بداخله، والذي على ما يبدو قد إختزنه مذ سنوات عجاف مرت به بعد تقاعده، والتي حولته سويعاتها العبثية إلى مجرد مراقب منكفيئ على نفسه وكأنه في غربة دائمة، عما يجري حوله، ويبدو أن ليالي رمضان المبارك قد فتحت سريرته على مصراعيها، ونحن نتسامر في هدأة ليل، قل زحامه، لكن أضواءه بقيت تتراقص في العيون!..قال: في بداية حياتي الصحفية، كانت الكتابة بالنسبة لي، علاج شافي لكل أمراض الكآبة ومشتقاتها، أما الآن فكلاهما يحتاج إلى علاج!
قلت: ما طرحته لغز يحتاج إلى توضيح؟، قال: ألا ترى ما يحدث في وسطنا الاعلامي، الذي بات خاليا من معايير المهنة الصحفية الحقيقية ومواثيقها، ومعيار الشرف الاعلامي، والكلمة الصادقة التي يجب أن تصان، حتى وصل الحال بغالبية أدواتها، في صحف ترتع بالكذب وفضائيات تجلجل بالزيف، وتطمطم للفاسد والمنافق والحرامي، وترفع شأن الجاهل وتعتم على العالم، بعد أن كنا نعدها شكلا من أشكال الضمير الإنساني، مثل ملاك الرحمة في خدمة المريض، تقدم الدواء لكل داء، وتصلح حال المتعسر، وتفتح الابواب المغلقة بوجه قاصديها، لكن للأسف اليوم، تمعن بمضامينها، وما تقدمه من (رسائل) ذات طابع تخريبي، وما يناله الشباب بالتحديد من سموم، تجعلهم صناديق مغلقة بحياة ضائعة في محفل مجنون!. وعند تلك اللحظة، إكتسى الحزن ملامح وجهه، بل أطفأ بريق عينيه، لكنه استمر بحديث كلماته الموجعة، وكأنها صرخات متتالية قائلا: صحيح إن الضحك علاج لمشاغل الفكر وهموم الحياة وآلام الوجود البشري، كما يصفه الفلاسفة، ولتذكير من لا قلب له!، لكن أنظر لما يعرض من برامج ومسلسلات و(بود كاست)، ماذا نجد فيها؟، بحجة التسلية، غير الضحك المغلف بالغدر والتشفي والاستهانة بالمرأة وبدورها المجتمعي، فضلا عن، المحاولات المتقصدة لتهميش ركائز البناء النفسي للمتلقي من خلال إضعاف الكوابح الاجتماعية المانعة لتفجر وحشية الانسان الفطرية فيه!، حتى يبقى العقل أسير الجسد، وكي يؤكدوا خلاصة النظرية المشوهة القائلة بإن البشر هم الكائنات الوحيدة التي يتشابك لديها الشعور مع الغريزة الحيوانية، حتى ولو كانوا في أجواء مقدسة وطقوس روحانية خاصة!، ومخرجو البرامج ومعديها، يتصورون إنهم يقدمون (الرومانسية) بأبهى صورها، متناسين حقيقة الفعل السحري للضحكة الهادفة في شفاء النفس، كون الإنسان يأخذ بالابتسام من الحياة أكثر مما يستطيع أخذه بالتقطيب والعبوس، أو ان يكون شجيرة جرداء لا تعطي ثمرا،، عافانا الله واياكم منها!..