فاتح عبد السلام
هناك رأيان متعارضان، يمزجان بين خيوط من السذاجة السياسية والعمق الاستراتيجي في آن واحد.
الرأي الأول يقول انّ “التاجر” ترامب سيتصرف كأي صاحب رأس مال “جبان”، وسيسعى الى اغلاق الملفات الساخنة والعنيفة بحثا عن استقرار مطلوب لسير تجارته العالمية الكاسحة التي تحمل علاماتها الفارقة اليوم ملفات الطاقة والرسوم الجمركية والاستثمارات الخارقة.
أمّا الرأي الثاني فيذهب الى انّ التاجر الجسور لا يتورع عن خوض حروب شرسة من اجل استثماراته وتنمية رأس ماله ومنع المنافسة من النيل منه.
ولعلّ المعطيات المحاذية لمفاجآت لا تزال تحت السطح او قريبة منه، توحي انّ ترامب الذي يتغنى بما تملكه أمريكا من اكبر قوة عسكرية يغيض بها الأعداء ويبتز بها الحلفاء، لن يتردد عن خوض حرب ضرورية مهما كانت كبيرة، لإثبات تفوق كلمة “أمريكا” وسطوتها العالمية، وقد رأيناه في خطابة الأول أمام الكونغرس يعلن انّ “أمريكا عادت” في تركيز شديد الدلالة لما يمكن ان يفعله للتمسك بهذا المنجز وهو استعادة أمريكا. وهنا لا يقصد ترامب قضية التأمينات الصحية أو قضية المهاجرين والحدود مع المكسيك، لكنه بلا شك يعني اسم أمريكا المتفوق على سطح الكوكب.
وسط هذين الرأيين، تكون ايران امام مسوولية بالغة التعقيد في اجادة قراءة أفكار ترامب وسلوكه قبل « التهور» ورفض اول رسالة قام بارسالها داعيا القيادة الإيرانية الى الانخراط في مفاوضات الملف النووي مجددا، وبلا شك انه يقصد المفاوضات المتصلة بملف الصواريخ الاستراتيجية التي بات مطلب التخلص منها أولوية لدى إسرائيل، وامريكا معا بعد الاقدام على استخدامها في ظروف الحرب في قطاع غزة و جنوب لبنان.
المعلومات المتسربة ومن مصادر موثوقة الى حد كبير تشير الى ان هناك حركة اتصالات إيرانية مع جهات دولية من اجل الوساطة مع الرئيس الأمريكي لجدولة المفاوضات وفصل مساراتها لضمان اشتراك إيراني فيها بعيدا عن الضغوط. وهنا روسيا لها اليد الطولى في الاتصالات والوساطات، لكن لا توجد ضمانات في ان ترامب لا يقوم على المباشرة العملية في التعاطي مع إيران في حال شعر ان ما يطرحه مرفوض على طول الخط لاسيما ان المرشد الإيراني الأعلى قال جازما انه لا يرى اية فائدة من التفاوض مع الإدارة الامريكية.
رسالة ترامب الى ايران تصحبها خطة ضغط مالي واقتصادي غير مسبوقة، وفي حال انتهت المساعي الى طرق مسدودة فإن ترامب سيذهب الى ما يراه أي تاجر تجارة رابحة ولو كانت مكلفة.