الكتب تنادي والعالم يتوحّش
علي السوداني
ألجيل الجديد لا يقرأ . هذا هو مفتتح مكتوبنا الطازج لهذه الليلة التي تكاد تشلع الفجرَ من مغطسه البارد . سينمو التوصيف قليلاً قليلا ، ويصير أعظم قسوة فنكتب إنّ الناس الآن تنام على جبلٍ من جهلٍ ومن أمّيةٍ مروّعة . من لم يصدّقني فليذهب فوراً صوب أيّ دار نشر أو مكتبة تبيع وتشتري المؤلفات ، ليجد أنّ شعراءً وروائيين وقصّاصين ونقّاداً وفلاسفة ومؤرخين كانت دور النشرقد طبعتْ لواحدهم ألف نسخة أو نصفها من كتابهِ الذي أحرق أعصابهُ وشيّبَ رأسهُ وكبدهُ ، ما زالتْ بعض نسخهُ مركونة على الرفّ أو مطمورة بمخزن الناشر . تسطيح ثقافيّ مهول وقع بعد ظهور مليون شاعر وشاعرة على صفحات الفيسبووووووووووووووك اللعين وأخوته بالرضاعة الألكترونية الخائنة .
سينزعج معلّم الأدب العتيق لأنه لم يجد تلميذاً نجيباً يقرأ على مسامع الفصل النجيب ، بيتاً شعرياً للمتنبي أو أبي تمّام أو المعرّي أو نزار قبّاني ، فإن لمع نجمُ واحدٌ أو واحدة من الطالبات المتوسطات ، فسوف يكون أكبر فهمها هي أن تلك القصيدة من نتاج كاظم الساهر . سيموت معلّم التاريخ من القهر والضيم ، لأن تلميذهُ الشاطر كتبَ بورقة الإمتحان أنّ عبد الله غيث هو عمّ النبيّ ومنى واصف هي من أكلتْ كبد الحمزة ، وإنّ رستم قد قُتلَ بطعنةٍ قويةٍ من
الجسمانيّ كنعان وصفي ، وإنّ من دوّخَ الطليان وطيّحَ حظّهم وحظّ الذين خلّفوهم بأحراش
وجبال ليبيا العزيزة هو أنطوني كوين ، وإنَّ بطيحان كان له بعض ضلعٍ في نبش
الفتنة الطامسة ، وإنّ سميرة أحمد هي أُخت الرسول وإنّ خرطان بن أبيه أشعر من بدر شاكر
السيّاب ، وإنَّ أحمد مظهر هو من حرّر القدس الحزينة التي ما عادتْ عيوننا إليها ترحلُ كلَّ
يوم . ألقراءة صارتْ مثل وجبة الأكل السريعة ، والرعية حتى على صفحات الفيس بوك لا
تقرأ النصّ الذي يزيد جسم بنائه العامر عن خمسة سطور وسبع علامات تعجّب .
المرئي والمسموع وجنون الذكاء المصنّع المشوه يضرب المكتوب باللكمة القاضية ، والورق البديع المرصّع بحروف الذهب ، يصفرّ على باب كشك حسن أبي عليّ ، وفي خزائن ورفوف الناشرين ومحبوسات جامخانات الزجاج . في هذا المنظر المرعب تنمو الجاهلية من جديد ، وتُعبَد وتُقَدّس الخزعبلات ، وتتوالد طرائق صنع الكراهية والقتل ، ويختنق ويحتضر الجمال وخالقوه ، وتنمو جملة أننا نعيش عصر التفاهة حتى لو كان قائلها وصائحها جاهل مستور بمديح أهل المزاد العظيم !!