واشنطن بعد سقوط الأسد: لا دعم للحكومة الإنتقالية لكن تخفيف قيود المساعدات
محمد علي الحيدري
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة قوى سياسية وعسكرية تثير الجدل، أعلنت الولايات المتحدة عن تخفيف القيود على إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، بينما تبقي على العقوبات المفروضة على شخصيات ومؤسسات مرتبطة بانتهاكات الحرب. يأتي هذا القرار في وقت تواجه الحكومة الانتقالية اتهامات بتضمين شخصيات من فصائل مصنفة إرهابيا، مثل هيئة تحرير الشام، مما يعقد المشهد السياسي والإنساني في البلاد.
الخطوة التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال تعكس ما وصفتها الصحيفة برغبة واشنطن في إيجاد توازن بين تلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري، والحفاظ على خطوط حمراء تمنع تمكين قوى متشددة أو جهات يشتبه في علاقتها بالتنظيمات المتطرفة.
حكومة انتقالية
ويرى مراقبون أن هذا القرار يعكس تردد الولايات المتحدة في تقديم دعم كامل للحكومة الانتقالية، في ظل إمكانية أن تصبح هذه الحكومة امتدادا لنفوذ الفصائل المسلحة. فالعديد من المناطق السورية التي باتت تحت سيطرة الحكومة الجديدة تُدار فعليا من قبل شخصيات من هيئة تحرير الشام، ما يجعل المجتمع الدولي ينظر بحذر إلى مستقبل هذه الحكومة وإلى قدرة واشنطن على ضبط الأمور ميدانيا.
وفي حين تؤكد الإدارة الأمريكية أن تخفيف القيود يقتصر على المساعدات الإنسانية العاجلة، شدد مسؤول رفيع على أن “أي محاولة لاستغلال المساعدات لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية من قبل الجماعات المصنفة إرهابيا سيقابل بعقوبات مشددة وإجراءات تصعيدية.”
هذا الموقف يعكس مقاربة أمريكية حذرة في التعامل مع المرحلة الانتقالية في سوريا، حيث تسعى واشنطن لدعم الشعب السوري دون أن تظهر وكأنها تمنح شرعية كاملة لحكومة انتقالية غير خاضعة لمعايير الشفافية الدولية.
على الأرض، يثير القرار أسئلة كثيرة حول كيفية ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها في ظل سيطرة فصائل مسلحة على معظم المناطق الحيوية. كما يخشى العديد من السوريين أن تساهم هذه المساعدات، ولو بشكل غير مباشر، في تعزيز سيطرة القوى المتشددة على مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية.
وهنا تواجه الولايات المتحدة تحديا مزدوجا: فمن جهة، تسعى واشنطن إلى تقديم الإغاثة للسوريين الذين يعانون من أوضاع إنسانية متردية، ومن جهة أخرى لا ترغب في أن تصبح شريكا في دعم قوى متهمة بارتكاب انتهاكات أو محسوبة على التيارات الراديكالية.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة بفرض عقوبات على شخصيات من الحكومة الانتقالية، يبدو أن الهدف الرئيسي هو منع انهيار الوضع الإنساني مع إبقاء مسار الحل السياسي مفتوحا. وهذا يتطلب تعاونا وثيقا مع القوى الإقليمية والدولية التي تراقب بحذر تطورات المشهد السوري، مع الحرص على ألا تتحول المناطق المحررة إلى بؤر جديدة للنفوذ المتطرف.
على الصعيد العملي، تعمل واشنطن بالتنسيق مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية على وضع آليات رقابة صارمة لضمان وصول المساعدات إلى المدنيين، في حين يبقى الدعم السياسي للحكومة الانتقالية مشروطا بإجراء إصلاحات واسعة وشاملة.
مصالح دولية
في النهاية، يبقى الملف السوري مفتوحا على سيناريوهات متعددة، حيث تتشابك المصالح الدولية والإقليمية في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبل الحكومة الانتقالية.
وبينما يتطلع السوريون إلى تخفيف معاناتهم اليومية، يظل القلق الدولي قائمًا حول ما إذا كانت هذه الحكومة قادرة على قيادة البلاد نحو مستقبل أكثر استقرارًا، أم أنها ستكون مجرد استــــــــمرار لدورة جديدة من الفوضى.