الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
روتين دوائر الدولة وراء الفساد الإداري

بواسطة azzaman

روتين دوائر الدولة وراء الفساد الإداري

ماهر نصرت

 

على الرغم من التقدم التكنلوجي الكبير الذي أصاب العديد من دول العالم بعد أن استطاعت بفعل التطور التقني للأجهزة المتقدمة التي تعمل على برامجيات حديثة أن تتجاوز الروتين المحبط  لمعنويات  شعوبها الذي يتسبب في عرقلة  عملية التطور ويبقي أجهزة  الدولة في تخلف وتراجع وانهيار ،  فالركب العالمي الجديد راح يعدو سريعاً نحو الارتقاء المؤسساتي وكأنه في سباق مارثوني حتى وصل الحرص في بعض الدول الى تطبيق نظام إداري جديد في كل سنة أوسع تطوراً وأكثر انتاجاً  من سابقه كما هو الحال في دول الخليج العربي والكثير من الدول الغربية من اجل تسهيل العمليات الإدارية المتنوعة في دوائرهم التي تصب جميعها في خدمة مواطنيها وتمنحهم كل ما يستحقون من تسهيلات لنيل حقوقهم الدستورية باحترامٍ كبير حفاظاً على كرامة مواطنيهم  ورفع مكانتهم الاعتبارية أمام شعوب العالم وخير مثال على ذلك  ماقامت به دولة الأمارات العربية المتحدة مؤخراً بتنظيم جوازات سفر لمواطنيها عبر شبكة الأنترنيت وإرساله إلى المواطن عن طريق طائرة هليكوبتر صغيرة مسيرة باللاسلكي  تهبط فوق سطح دار المواطن صاحب الجواز ليتم التسليم والاستلام من هناك بمساعدة أنسان آلي قابع في الطائرة يعتمد بصمة الإبهام.

اما في بلدنا فلم نجد مايشير إلى ذلك التغيير بشكل فعلي  فما زالت دوائر الدولة تعمل على أساس نظام إداري بدائي موروث من الحقبة الملكية التي بُنيت على أطلال خرائب التخوم الإداري العثماني المتخلف الذي لم نورث منه سوى الهبوط  الحضاري والتراجع في مستوى الإنتاج المؤسساتي ، فمن الأرجح أن يعود بأحد أسبابه الكبرى إلى نظام العمل المحكوم بخطوات الروتين التي مازالت خفافيشه تعشعش في أروقة دوائرنا منذ مئات السنين ، فلم يفكر أصحاب القرار في تغيير تفاصيله والاستعاضة عن الكثير من فقراته بأخرى اكثر بساطة وكأن الحكومة لاتثق بمواطنيها فوضعت أمامهم شروط صارمة  وتطالبهم على الدوام بتقديم أوراق وأوليات معقدة لتمشية معاملاتهم حتى أصيب البعض من مراجعي دوائر الدولة باليأس والإحباط عندما راحوا يطلبون منهم مستمسكات عائلية مهجورة يصعب الحصول عليها إلى درجة كبيرة فضاعت حقوق الكثير منهم أو استلبها الغير بعد أن عجز أهلها من الحصول عليها .

نمط متأخر

 لقد أدمنت الأجيال على هذا النمط المتأخر من التعامل الإداري فصار ذلك التعقيد بمثابة الديناميكية المتبعة بين الدائرة والمواطن  منذ عدة أجيال  ليومنا هذا واليك أيها القارئ الكريم أحد هذه الأمثلة على ما حصل لاحد المراجعين فيما يخص  قرار المرور الأخير لتثبيت الأرقام على الدراجات النارية بعد أن حصل  صاحب الدراجة على كتاب من دائرة الكمارك بعد معانات طويلة ، اعترضت عليه دائرة المرور ولم تتقبله بسبب ان الكتاب المرسل من دائرة الكمارك مصور على الرغم من انه مختوم بختم الدائرة لذا يجب ان يعاد إلى مصدره ويرسلوا بدله كتاب الأصل .

فلا ذنب لصاحب الدراجة  بهذا الخلل الإداري المكتبي سوى أنه صار ضحية أخطاء إدارية وروتين محطم للمعنويات وبذلك كلفه الكثير من الوقت والمصاريف عند رحيــــــــــــــله وعودته لعدة مرات فقد دفع ثمن اخطاء موظــــــــــفي الدولة ، إن حصوله على هذا الكتاب ( المصور ومن ثم الاصل ) الذي يتألف من  ثلاث سطور تم بعد معانات طويلة ومأسآت حقيقية لعدة أيام تلقاها عندما كان يراجع  تلك الدوائر المزدحمة ليل نهار فقد كان لزاماً عليه أن يخرج لاكمال معاملته من الســـــــــــــاعة الخامسة فجراً  ليتخذ له موضعاً متقدماً  في الطابور الطويل المرابط أمام الشباك الوحيد للكمارك  أو حتى دوائر المرور ولا ندري كيف يفـــــــــــــــكر المسؤولين عندما يخصصون نافذة واحدة لا تتعدى أبعادها ربع متر لتنجز من خلالها آلاف المعاملات لأصحاب السيارات والدراجات النارية التي تموج بهم ساحات الانتظار وقد تؤدي حالات التداخل والاحتكاك بين المراجعين للوصول الى  تلك الفتحة الصغيرة.

 

 التي تحدد مصير مركبته الى حدوث صراع ومضاربات بين تلك الأمواج البشرية للسباق من اجل الخلاص من هذه المعانات النفسية التي تشبه الى حدٍ ما الحرب النفسية وهذا يعود بسببه الأول والأخير إلى سوء التنظيم الذي تشتهر به تلك الدوائر المهمة التي تحدد مصير مركبات المواطنين وتمنحهم الحصانة القانونية عند مسيرها في الشوارع  .. أن سوء التنظيم هذا يساهم بشكلٍ أو بآخر بالإحباط العظيم الذي يصيب نفوس الناس الذي يؤدي في النهاية إلى سب وشتم كل من كان السبب في وضع هذه الصعاب التي يلاقيها أصحاب المعاملات وهم يتصارخون في ساحات الانتظار بعد أن أصابتهم هستيريا الانتظار ولوعة الفوضى التنظيمية التي تعصف بالحضور وقد يجنح الكثير منهم لللبحث عن سماسرة الرشاوى والمعقبين الذين ينجزون المعاملات بسرعة خارقة مقابل مبالغ معينة وبهذا سمحوا بفعلتهم الفوضوية تلك الى استفحال الرشاوى في مجتمعاتنا من وراء هذا الروتين المعقد الذي انهك الجميع وصار من ثوابت واساسيات انجاز المعاملات للأسف الكبير . أن عملية تنظيم  دوائرنا هي أمانة في أعناق المسؤولين اصحاب القرار فلا بد من  تسهيل طقوس المراجعات الى دوائر الدولة وتخفيف  العبء الكبير الملقى على عاتق صاحب المعاملة فقد صارت لدى المواطن العراقي عقدة اسمها مراجعة دوائر الدولة فقبل أي مراجعة يضع نصب عينيه المشاكل والمعرقلات التي ستلاقيه عند ولوجه في تلك الدوائر ولكي يؤمن مراجعته ويخرج من الدائرة منجزاً لمعاملته يذهب ويبحث عن طريق المعارف و الوسطاء الى احد المعقبين  ليكمل له المعاملة  مقابل ثمن طبعاً وبعض المعقبين له مكر الثعالب في مناوراته وبلا شك سيقوم بتكريم الموظف صاحب الشأن بحصته من العملية أو مايسميها البعض ( رشوة ) وهكذا تتم دورة الرشوة في الطبيعة التي تزداد وتيرتها كلما توسعت مساحة الروتين واستفحل التعقيد في انجاز معاملات الناس وهذا يعود بسببه اولاً واخيراً كما ذكرت فيما مضى الى نظام العمل المتأخر الذي تتبعه دوائرنا التي مازالت تعتمد على  الانظمة الادارية القديمة  التي الغيت في 90 بالمئة  من دول العالم فبقيت مستخدمة في الدول  المتخلفة كما في الصومال وأرتيريا وأثيوبيا واليمن والعراق معهم أيضاً وهكذا بقينا نمضي نتخبط بأنظمتنا الادارية خلف ركب الامم الى أجلٍ غير مسمى .. وللحديث بقية.


مشاهدات 502
الكاتب ماهر نصرت
أضيف 2023/12/06 - 4:38 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 9:53 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 351 الشهر 11475 الكلي 9362012
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير