الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
غارة طوفان الأقصى.. كينونة الإحتلال الصهيوني وصيرورة زواله

بواسطة azzaman

غارة طوفان الأقصى.. كينونة الإحتلال الصهيوني وصيرورة زواله

قتيبة آل غصيبة

 

لم يسجل التاريخ الحديث والمعاصر استمرار الاحتلال لأي بلد في العالم كحدثا تاريخا كائنا  ؛ إلا و صيرورته آلت الى زوال ؛ بفعل مسيرة طويلة من النضال والجهاد والتضحيات للشعوب التي تعرضت للإحتلال من قوى خارجية لها مصالح وأجندات أقتصادية وسياسية خارج حدودها الاقليمية ؛ فما حصل لبريطانيا و فرنسا الاستعمارتين  وغيرها من المستعمرين في القرن الماضي ؛ وبعدها الولايات المتحدة في أحتلالها لأفغانستان والعراق ؛ مصداقاً   لمعطيات حركة الاحداث التاريخية وصيرورتها .  وهذا القانون بلا شك ينطبق على الاحتلال الصهيوني لفلسطين ؛ فمنذ صدور وعد بلفور المشؤوم ؛ الذي صدر في عام 1917 بتوقيع وزير الخارجية البريطاني «آرثر بلفور» بدعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ؛ والشعب الفلسطيني يكافح و يناضل من أجل حريته وحقوقه المشروعة في وطنه ؛  مواصلا انتفاضاته وثوارته المتعاقبة ؛ بثورة مستمرة رغم ما تخللها من فترات للهدوء النسبي ؛ ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945 ؛ ترسخ وعد بلفور المشؤوم ؛ بإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 قرار تقسيم فلسطين ؛ والذي أدى إلى تقسيمها إلى دولتين ؛ صهيونية وعربية ؛ مع وجود منطقة دولية تشمل «القدس وبيت لحم» ؛ والذي رفضته الدول العربية ؛ وأضطرت حكوماتها للتدخل بجيوشها في حرب نظامية ضد العصابات الصهيونية المدعومة عسكريا من بريطانيا سنة 1948 ؛  وهو مايعرف «عام النكبة» ؛ فقد نشبت هذه الحرب عقب إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ؛ بين كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المصرية ومملكة العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية ضد المليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين المؤلفة من عصابات ؛ «البلماخ والإرجون والهاجانا والشتيرن والمتطوعين اليهود من دول العالم ؛ وانتهت بهزيمة العرب ؛ بسبب شدة الخلاف بين القيادات الفلسطينية وفصائلها وقتذاك من جهة ؛ وعدم وجود خطة استراتيجية وقيادة موحدة لجيوش الدول العربية المشاركة في تلك الحروب ؛ واستمرت هذه الخلافات بشكل اعمق لما بعدها من أحداث ؛ تسببت بإخفاق الفلسطينيبن والدول العربية في مواجهة الكيان الصهيوني .

عمليات ابادة

وظل الشعب الفلسطيني يعاني من عمليات إبادة وقتل وتهجير ممنهج ومصادرة لأراضيهم وبلداتهم وإنشاء مستوطنات صهيونية عليها ؛ لينتهي الامر بإغتصاب الصهاينة أكثر من 25 ٪ من الاراضي التي تم تحديدها ظلما وعدوانا للشعب الفلسطيني صاحب الارض والوطن ؛ بعد ان ابتلعوا بحدود 50 ٪ من دولة فلسطين بموجب قرار التقسيم السيء الصيت عام 1947 ؛ ولتصبح مساحة الكيان الصهيوني بحدود 77٪ من أراضي دولة فلسطين العربية دون أي وجه حق ؛ ويعيش الفلسطينيين على 22٪ من أراضي دولتهم المغتصبة ؛ بقطاعين هما الضفة الغربية في شرق فلسطين و قطاع غزة ورفح غرب وجنوب غرب فلسطين ؛ يُفرِّق بينهما ويمزقهما شريط من المستعمرات الاستيطانية تمتد على طول اراضي قطاع غزة ؛ في ظل القهر والاضطهاد الصهيوني وتدهور الأوضاع  الانسانية للشعب الفلسطيني فيهما ؛ وحتى نسبة ال 22 ٪ هذه  لم يتمكنوا من الحفاظ عليها ؛  فالاستعمار الاستيطاني الصهيوني ظل مستمرا حتى بعد توقيع اتفاق سلام وقعه الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية في 1993، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ؛ والذي عُرفَ «بإتفاقية أوسلو « ؛ بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات  ؛ ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في واشنطن ؛ وتنص الاتفاقية على ؛ إعلان المبادئ لإقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية «أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية» ؛  ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ؛ لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات ؛ تمهيدا  للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338. بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية ؛ ونصت الاتفاقية أيضا ؛  على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المــــتبقية ؛  بما فيها القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية ؛  واللاجئون ؛ المستوطنات ؛ الترتيبات الأمنية ؛ والحدود ،  إلا ان هذه الاتفاقية لم يحصل منها الشعب الفلسطيني الا على النزر اليسير ؛ وظلت الوقائع على الارض الفلسطينية ؛ مقترنة بالانتهاكات والممارسات الوحشية للصهاينة ؛  أمام مرأى ومسمع كل العالم ومنظماته وقوانينه ؛ التي لا يعيرها الصهاينة منذ نشأة كيانهم أي اهتمام ؛ وقد ساهم الدعم الامريكي والغربي للصهاينة ؛ وسكوت وتراجع الانظمة العربية عن دعم القضية الفلسطينية في تمادي الحكومات الصهيونية المتعاقبة في غيها وظلمها للشعب الفلسطيني ؛  ؛ مما أدى إلى استمرار وتصاعد الصراع والتوتر بينهما ؛ وأفضى بطبيعة الحال  الى العديد من الانتفاضات والثورات الشعبية الفلسطينية ؛ ومع استمرار هذا الوضع المأساوي للشعب الفلسطيني ؛ والذي ظل يعبر عن رفضه للإحتلال الصهيوني وممارساته الوحشية طوال العشرات من السنين .

في عام 2005 وبفضل ضربات المقاومة الفلسطينية وعدم قدرة الكيان الصهيوني في المحافظة على سلامة  وأمن 25 مستعمرة استيطانية أقامها داخل قطاع غزة ؛ اضطر لتفكيكها ؛ بعد ان كان رئيس الوزراء الاسبق «أرييل شارون» ؛ يصر على عدم تفكيكها بأي شكل من الاشكال ، ولجأ بعدها الكيان الصهيوني لاستراتيجية جديدة بعد تفكيك تلك المستعمرات ؛ إذ قام بإحاطة قطاع غزة من شمال غربها على ساحل البحر الابيض المتوسط الى جنوبها بإنشاء  50 مستعمرة ؛ للإمعان في محاصرتها وعدم تواصلها مع أراضي الضفة الغربية ؛ في سعي منه لإفشال مشروع قيام الدولة الفلسطينية على أرضها المحتلة منذ عام 1967.  مع صعود تحالف اليمين الصهيوني المتطرف للحكم .

احزاب يهودية

في عام 2009 ؛ (وهو تحالف مكون من عدّة أحزاب يهودية دينية هي «حزب الليكود» و»حزب شاس» و»حزب الصهيونية الدينية» و»حزب يهودت هتوراه»، تجمعها الأيديولوجيا المتشابهة، بقيادة رئيس الوزراء «النتن ياهو» ؛ التي تتميز بالعنصرية والتطرف ضد الشعب الفلسطيني ؛  وتتبنى سياسات تهدف إلى تعزيز الاستيطان وتقوية السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية ؛ وتسعى الى تهجير الباقي من  الشعب الفلسطيني في  (الضفة الغربية والقدس وغزة ) ؛ الى دول أخرى ؛ فقد ازدات الممارسات  الصهيونية في التنكيل والاضطهاد للشعب الفلسطيني ؛ من خلال سياسات  قمعية وعنصرية ؛  يتمثل ذلك في اعمال القتل والاغتيالات والاعتقالات و توسيع رقعة  الاستيطان والتهجير القسري والحصار الاقتصادي والامني على الأراضي الفلسطينية المحتلة ؛ وقيامها بإنشاء سياجا امنيا اطلقت عليه (السياج الامني الذكي الاعجوبة ) ؛ مدجج ومجهز بكافة الموانع السلكية والكونكريتيه و أجهزة المراقبة الرادارات والكاميرات والاسلحة الموجهة بواسطة اجهزة استشعار ذكية ؛

 

ليصبح جدارا للفصل العنصري ؛ ويكون قطاع غزة سجنا مفتوحا للشعب الفلسطيني فيها ؛ أسوة بشقيقتها الضفة الغربية ؛ التي سبق للصهاينة في للفترة 2002 - 2006 انشاء جدارا امنيا للفصل العنصري فيها يمر بمسار متعرج  بطول 402 كم قرب الخط الاخضر (الخط الاخضر: وهو الخط الفاصل بين الاراضي المحتلة عام 1948 ؛ والاراضي المحتلة عام 1967 ) ؛ مُعززا بأبراج وكاميرات مراقبة ورادارات واسلحة ودوريات على مدار 24 ساعة.

 

 بذريعة منع دخول الفلسطينيين الى المستعمرات الصهيونية القريبة من الخط الاخضر ؛ وحقيقة الامر ان هذا الجدار يساهم في الاستحواذ على المزيد من أراضي الضفة الغربية وضمها الى المستعمرات الصهيونية ؛ كما انه يسعى لإعاقة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية ، وبطبيعة الحال فإن كل ذلك  أدى الى استمرار الانتفاضات والمواجهات بين الطرفين ؛ تخللتها فترات هدوء حذر ، لتندلع في 7 ت1/ اكتوبر 2023 الحرب مجددا في غزة ضد الكيان الصهيوني الغاصب ؛ حيث قامت فصائل المقاومة الباسلة في قطاع غزة العز والصمود ؛ بشن غارة طوفان الاقصى ؛ بعد طول معاناة من حصار اقتصادي وامني وانساني خانق استمر ستة عشر عاما عليها ؛ عبر إجراءات تعسفية لا يحتملها أي انسان على الارض ؛ إذ لم يصمد هذا الجدار الذي كان يتشدق بقدراته قادة الصهاينة ؛ وتم أختراقه وتعطيل منظوماته الذكية بغارة مباغتة وهجوم خاطف   فاجئت فيها المقاومة الفلسطينية ؛ العدو والصديق وتمكن رجالها الابطال من مهاجمة أهداف عسكرية وامنية حيوية ؛ الحقت الخسائر بالاشخاص والمعدات ؛ وقصمت ظهر اسطورة الجيش الذي لايقهر ؛ والحصول على مغانم استخبارية وامنية كبيرة .

لقد أفرزت غارة طوفان الاقصى ؛ مؤشرات جديدة لقواعد توازنات دولية غير متوقعة ؛ فقد أعادت قضية حقوق الشعب الفلسطيني امام المجتمع الدولي ؛ ووضعتها عل المحك ؛ بعد ان التف على رقبتها حبل الاهمال والنسيان ، وبرغم كل العنف وحرب الابادة والقصف الوحشي الصهيوني لكل ما في غزة لأ كثر من خمسين يوما ؛ والذي أقض مضاجع كل الشرفاء في العالم ؛ مستهدفا  اطفال ونساء وشيوخ ومستشفيات ومخيمات ومدارس وكل ما يمت بصلة لحياة الانسان ؛ واستشهاد وأصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين ؛ بحجة القضاء على المقاومة فيها  ؛  إلا ان غزة العز لا تزال صامدة بشعبها ومقاومتها المشروعة محافظة على تماسكها وتمسكها بحقوقها من أجل حريتها وتحرير آراضيها من العدو الصهيوني الغاصب

...فالحرية طريقها طويل وشاق .. وكل احتلال وان طال الزمان به..فلا بد له ان يزول .. وصدق الشاعر  ابو القاسم الشابي

إذ يقول :

إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ...

فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي...

ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ

ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ...

تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ

 

والله المستعان على الظالمين..

 

 


مشاهدات 522
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2023/12/03 - 12:10 AM
آخر تحديث 2024/06/29 - 9:03 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 92 الشهر 92 الكلي 9362164
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير