الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
غارة طوفان الأقصى وإندحار قوة الكيان الصهيوني

بواسطة azzaman

غارة طوفان الأقصى وإندحار قوة الكيان الصهيوني

قتيبة آل غصيبة

 

بالرغم من القصف الصهيوني الوحشي المستمر على قطاع غزة العز والصمود والحصار غير المسبوق للاحتلال الصهيوني و فداحة الخسائر المستمرة في الاطفال والنساء والشيوخ  والدمار الشديد الذي أفنى كل شيء على وجه الارض في غزة ؛  وبرغم الالم الكبير من هذا الاجرام الصهيوني الذي يدمي قلوبنا ويؤرق الضمير الانساني ؛ فإن النصر الاستراتيجي الذي أحرزته غارة طوفان الاقصى والصمود البطولي للشعب  الفلسطيني ومقاومته الباسلة ؛ لم يكن إلا بعد سلسلة من المعارك والمواجهات للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني  بكل قوته وعنجهيته وظلمه  لثمان عقود خلت ، المختال بقوته والمغتر بها هادفا بكل ما عنده من القوة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في القضاء على الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة ؛ وصولا لإقامة الشرق الاوسط الجديد ضمن دولة اسرائيل الكبرى

فقد تطورت عمليات غارة طوفان الاقصى ؛ لتصبح وفقا للمعايير الاستراتيجية ؛  كأحد «حروب التحرير» : حيث تشكل هذه الحروب عموماً ؛ صراعا طويل الامد يهدف إلى تحرير شعب أو منطقة ما من الاحتلال أو السيطرة الخارجية ؛ ويعتمد هذا النوع من الحروب على عدة مبادئ ؛ واهمها :   (الصمود والتلاحم الشعبي ووحدة الهدف ؛ المقاومة المسلحة ؛ الحرب النفسية؛ الحرب السياسية والدبلوماسية ؛ والدعم الخارجي) ؛ وهو ما حرصت وأكدت على تنفيذها مجتمعة قيادة حماس السياسية والعسكرية وفصائلها المسلحة الباسلة والشعب الفلسطيني البطل بدقة متناهية .

 لقد شَكَّلَ الصمود والتلاحم العقائدي ووحدة الهدف للشعب الفلسطيني الصخرة التي تحطمت عليها الوحشية والبربرية الصهيونية وكل مرتكزات القوة الصهيونية العمياء التي لم تراعي فيها الأخلاقيات والقوانين الدولية والانسانية خلال السبعين يوما من القصف الوحشي والتدمير غير المسبوق لبلدات غزة العز وشعبها البطل بأطفالها ونسائها وشيوخها ومقاوميها ؛ هذا الصمود الاسطوري الذي أذهل العالم ؛ وأثار اعجاب العدو قبل الصديق .

كفاءة وبراعة

أما على صعيد المقاومة المسلحة فالمقاومة الفلسطينية ؛ ومنذ الجولة الاولى في المواجهة ضد العدو الصهيوني ؛ أثبتت كفاءتها وبراعتها  في استخدام اساليب حرب العصابات بأسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ مصنعة محليا ؛ وبأساليب الكر والفر والكمائن وإستدراج قوات العدو  البرية التي قوامها الدبابات والناقلات وجرَّها الى مناطق قتل منتخبة في أزقة وشوارع غزة  ؛ فقد بلغت نقاط الاشتباك  بين ابطال المقاومة الفلسطينية في غزة والعدو الصهيوني ؛ في الصفحة أو المرحلة الثانية من هذه الحرب التحررية وفقا لإحصائيات الخبراء اكثر من 50 نقطة إشتباك ؛ كانت جميعها من أختيار المقاتلين الفلسطينيين مكاناً وزماناً مما يؤكد إحتفاظهم بزمام المبادأة ؛ وإدارة معركتهم الدفاعية والسيطرة عليها  بأحسن وجه ؛ وكبدوا  جيش العدو الصهيوني خسائر فادحة بالارواح والمعدات ؛ برغم استمراره  بالقصف الجوي والبحري البشع  وعملياته البرية ، فقد نشرت صحيفة « يديعوت أحرنوت قبل عشرة أيام بأن أعداد الجرحى في صفوف جيش الاحتلال بلغت 5000 جريح منهم 2000 معاقا» ؛ وبطبيعة الحال فإن خسائر الجيش الصهيوني في إزدياد ما دامت هذه الحرب مستمرة؛ والتي اطلق عليها عملية « السيوف الحديدية» والدائرة رحاها منذ سبعين يوما ؛ بذريعة اطلاق سراح الاسرى الصهاينة المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية  كأسبقية أولى ؛ ثم القضاء على مقاتلي المقاومة الفلسطينية  ؛ وتدمير منظومة الانفاق التي يستخدمونها ؛ والتي لم يتمكن من تحقيق اي نجاح ملموس للوصول الى هذه الاهداف التي أعلنها ؛ إذ  لايزال يتخبط بجنون ؛ وذلك من خلال تصريحات حكومية متضاربة ؛ فبينما اعترف المتحدث باسم جيش الاحتلال، «جوناثان كونريكوس» ، بأنهم لم يتمكنوا من إلحاق الهزيمة بمقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في شمال قطاع غزة ؛ وتحدث وزير الدفاع الإسرائيلي «يوآف غالانت» عن حاجة الحرب لوقت أطول ؛ ويبدو ان هذا التباين والتخبط في التصريحات ؛ اصبح سبباً في اتساع دائرة الخلاف بين الاوساط الحكومية الصهيونية من جهة ومستوطنيها من جهة أخرى ؛ حول الذهاب في الحرب الى نهايتها وفقا لخطة رئيس وزرائها «النت ياهو» ومؤيديه في فريقه الحكومي ؛ والذي يواجه معارضة من قبل الحكومة الامريكية وباقي حلفائها ؛ أو التركيز على الهدف الذي يطالب فيه المستوطنين الصهاينة بشدة للإفراج عن الاسرى لدى قوى المقاومة في قطاع غزة ؛  خاصة بعد مقتل عدد منهم على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني ؛ والمطالبة بإيقاف الحرب على غزة تمهيدا لاطلاق سراح أسراهم بصفقة تبادل مع الاسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الصهيونية ؛ فقد اصبحت الأولويات  تتقدم وتتأخر ؛ ولم تعد هناك قناعة أو موقف ثابت حتى داخل الجهات الحكومية  الصهيونية ؛ وهناك تغيرات بين لحظة وأخرى بشأن تلك الأولويات.

وفي هذه الحرب التحررية  التي شنتها المقاومة الفلسطينية على الكيان الصهيوني ؛ لعبت المقاومة الفلسطينية  على الوتر النفسي إلى جانب تقدمها العسكري ؛ حتى صار جنود الاحتلال دائمي القلق والهلع والتوتر ؛ يحسبون أن المقاومة تحيط بهم من كل جانب، فقد وصف بعضهم مقاتلي المقاومة الفلسطينية  بالأشباح ؛ وكذلك قيام المقاومة بنشر مقاطع فيديو مصورة من وسط خيام أقامها جنود الاحتلال في غلاف قطاع غزة .

تصريحات وبيانات

التُقطت بكاميرا تخرج من تحت الأرض ؛ ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أسهمت التصريحات والبيانات التي يصدرها قادة المقاومة في زعزعة ثقة الصهاينة بقيادتهم ، وخاصة بعد أعلان قادة المقاومة الفلسطينية أن الحكومة الصهيونية رفضت تسلّم جثث أسرى صهاينة قتلوا في قصف الاحتلال رغم عرض منها بذلك ؛ مما أثار أهالي الأسرى متهمين حكومتهم بخذلانهم ؛ وطالب كثير منهم  بإقالة رئيس الوزراء «النتن ياهو» الذي أوصلهم الى هذا الوضع الخطير ؛ كما كان لصور تسليم الأسرى للصليب الأحمر وهم مبتسمون ومرتاحون ويودعون مقاتلي المقاومة الفلسطينية ؛ أثر كبير في دحض الرواية الإسرائيلية الساعية إلى شيطنة المقاومة الفلسطينية البطلة.

أما على الصعيد السياسي ، فقد تضمنت البنية الاساسية لهذه الحرب التحررية ؛  الاعتماد على الخطاب السياسي العقائدي الاسلامي لمنظمة حماس ؛ إذ ساهم هذا المنهج الفكري الاسلامي في بناء اسس المواجهة السياسية والدبلوماسية ضد الاحتلال الإسرائيلي وخصومها من التيارات الفلسطينية الاخرى  وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية ؛ فقد استخدمت حماس مجموعة من الاستراتيجيات السياسية والدبلوماسية لمواجهة الاحتلال الصهيوني؛ حيث انها بدأت كحركة مقاومة تركزت في الأصل على النضال المسلح ضد الاحتلال ؛ لكنها تطورت بمرور الوقت لتشمل جوانب أخرى من النضال السياسي والدبلوماسي ؛ فكان أحد الجوانب الرئيسية لاستراتيجية حماس السياسية هو التركيز على تعزيز صورتها وشرعيتها الدولية ؛ واستخدمت  القنوات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني لنشر رسائلها ومطالبها إلى المجتمع الدولي ؛  سعياً للحصول على دعم دولي وتأييد لقضيتها العادلة ؛ علاوة على ذلك فقد نشطت حماس في المؤسسات الدولية والمنظمات الإقليمية لكسب التأييد والدعم السياسي ؛ وسعت لإبراز معاناة الشعب الفلسطيني وطالبت بحقوقه الوطنية والإنسانية في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة والجامعة العربية ،

أما على المستوى  الداخلي ؛ فقد عملت حماس على تعزيز  قاعدتها الشعبية من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية للسكان في القطاعات التي تسيطر عليها ؛ حيث ساهم  هذا المزيج من الجهود السياسية والاجتماعية في بناء دعم قوي لها داخل الأراضي الفلسطينية ؛ ولاتزال حماس  تمثل المحور الاساسي  في المشهد الفلسطيني والمحرك الاساسي لهذه الحرب التحررية ؛ وتعمل جاهدة للدفاع عن قضيتها وتحقيق أهدافها السياسية في ظل التحديات المستمرة التي تواجهها.

دعم خارجي

وعلى صعيد الدعم الخارجي لهذه الحرب التحررية ؛ فإنه لم يعد خافياً على أحد الدعم السياسي الذي تقدمه العديد من  الدول العربية والإسلامية في المحافل والمؤتمرات الدولية ؛ رغم ان بعضها كان ضعيفا ولا يكاد يذكر ؛ إلا ان  القضية الفلسطينية لاتزال تحظى بالدعم الاقليمي والدولي والشعبي من خلال  المسيرات الحاشدة في كثير من الدول مطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني ؛ ومعبرة عن غضبها واستنكارها لما يقوم به الكيان الصهيوني من حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين ؛ ومطالبة الكثير من دول العالم بإيقاف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني وحل قضيته العادلة بأسرع وقت.  ختاما فإنه لا يمكن تناول الأمر من وجهة نظر عسكرية فحسب، لأن الحرب هي «صوت السياسة العالي» كما يعبر عنه البعض ، وبالتالي فقد تم قراءة المشهد من خلال مبادئ حروب التحرير ؛ التي تؤكد من جانب ؛ حالة التماسك والصمود والتلاحم الشعبي بين الشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة وتمسكهم بوطنهم وحقوقهم ؛ وثبات وصمود المقاومة الفلسطينية وتمسكها بأهدافها  ؛ واحتفاظها بزمام المبادأة في هذه الحرب الشرسة ، ومن جانب آخر استعراض حالة التناقض والتخبط الحكومي الصهيوني في إدراته لهذه الحرب ؛  والخسائر الفادحة في صفوف قواته واستنزاف قدراته البشرية والاقتصادية ؛ وبما يؤكد ؛ إن جيش الاحتلال الصهيوني غرق في مستنقع غزة في حرب سيطول أُوارها... وإن القوة العمياء لن تصمد أمام إرادة الشعوب... 

والله المستعان.

 


مشاهدات 639
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2023/12/23 - 4:30 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 10:59 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 43 الشهر 43 الكلي 9362115
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير