الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إستراتيجية وحدة الساحات.. حرب متعدّدة الجبهات أم حرب إقليمية ؟

بواسطة azzaman

إستراتيجية وحدة الساحات.. حرب متعدّدة الجبهات أم حرب إقليمية ؟

عماد علوّ

 

المقدمة

في السابع من أكتوبر 2023 انطلقت عملية (طوفان الأقصى) التي شنتها كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – وسرايا القدس - الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي – ليطرح محمد الضيف، قائد كتائب القسام مصطلح (وحدة الساحات)، في البيان الأول عقب بدء العملية عندما دعا «محور المقاومة» المدعوم من ايران الى مساندة ودعم عملية طوفان الأقصى، بقوله: «يا إخوتنا في المقاومة في لبنان وسوريا والعراق وإيران هذا هو اليوم الذي ستلتحم به الجبهات»، في إشارة الى أن عملية (طوفان الأقصى)، لن تقتصر على غزة بل ستشمل الساحة الإقليمية أيضا».. لتكون هذه الدعوة مبررا» لحشد عسكري غربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الأوسط هو الاضخم من نوعه منذ غزو العراق في 2003، مما زاد من احتمال توسيع رقعة المعارك من حرب غزة إلى «حرب إقليمية كبرى» قد تجتاح الشرق الأوسط وتُعطّل أسواق الطاقة والاقتصاد في العالَم.   والسؤال المطروح هو هل نجحت استراتيجية (وحدة الساحات)، في كبح جماح «عملية السيوف الحديدية» التي تنفذها إسرائيل في غزة، للقضاء على قدرات حركة «حماس»، والتي تسببت بإبادة جماعية Genocide للسكان المدنيين العزل في قطاع غزة؟ أم أن استعراض القوة الذي نفذته الاساطيل البحرية الامريكية والاوربية في قبالة سواحل فلسطين المحتلة شرق البحر المتوسط، قد شكل عنصر ردع حاسم أفشل استراتيجية (وحدة الساحات)، ومنع توسع الحرب حتى الآن، في وقت شكل فيه غموض قواعد الاشتباك مع غياب رؤية واضحة للخطوط الحمراء التي وضعها (محور المقاومة)، لما تصطلح عليه بـ(وحدة الساحات)، وضعا» أمنيا» خطيرا» في منطقة الشرق الاوسط مع غياب رؤية واضحة للخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل وشركائها بقيادة الولايات المتحدة للتعاطي مع عمليات محور المقاومة في الساحات السورية والعراقية واللبنانية واليمنية..

استراتيجية وحدة الساحات

ظهر مصطلح (وحدة الساحات)، في شهر أيار/مايو 2023، بشكل واضح وعملي عندما قامت المقاومة الفلسطينية بإطلاق الصواريخ نصرةً لحيّ الشيخ جراح والمسجد الأقصى المبارك آنذاك. ثم تبلور مصطلح «وحدة الساحات»، في خطابات أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصرالله في أكثر من مناسبة في سياق دعوته لتوحيد «جبهات المقاومة»، خصوصا» استقباله في أغسطس/آب 2022، أمين عام الجهاد الإسلامي زياد نخالة في بيروت وبحث معه معركة وحدة الساحات». وفي 2أيلول/سبتمبر 2023، بعد اللقاء الثلاثي بين حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الذي جرى في بيروت، لمناقشة الأوضاع الفلسطينية، في وقت اشارت فيه الوسائل الإعلامية المقربة من حزب الله وإيران، الى أن هذا الاجتماع على أنه تأكيد لمبدأ (وحدة الساحات)، بين الفصائل التي تقاتل إسرائيل على مختلف الجبهات. واستنادا» لكل ذلك فقد شكل مفهوم (وحدة الساحات)، تطورا» استراتيجيا» في المواجهة بين الفواعل الإقليمية الممانعة والمقاومة للوجود والنفوذ الأمريكي والصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، من خلال مواجهات مسلحة وعنيفة في عدد من الساحات كان من أبرز هذه الساحات الفلسطينية والسورية والعراقية واللبنانية واليمنية. وقد تمثلت هذه المواجهات بضرب القواعد والقوات الامريكية في الساحتين السورية والعراقية، وكذلك ضرب والتعرض للمواقع العسكرية والمستوطنات الصهيوني عبر الساحة اللبنانية والجولان السوري المحتل، بالصواريخ والطائرات المسيرة وقذائف الهاون، وعادةً ما يتبعها رد من قبل القوات الامريكية والإسرائيلية بضربات جوية أو صاروخية لمواقع فصائل المقاومة في الساحات السورية والعراقية واللبنانية والفلسطينية.

 ساحات المواجهة

منذ هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول/أكتوبر2023، وتجسيدا» لاستراتيجية وحدة الساحات، ذكرت مصادر صحفية أن فصائل المقاومة في العراق وسوريا ولبنان انخرطت في غرفة عمليات مشتركة مع «حماس»، بعد أن سافر قادة المجموعات المسلحة العراقية إلى سوريا ولبنان برفقة مجموعة مسلحين. ولم يعد سرا» القول أن غرفة العمليات المشتركة لمحور المقاومة تحظى بدعم مستشارين إيرانيين وتقوم بتنسيق العمليات العسكرية ضد القوات الامريكية والإسرائيلية في سياق تنفيذ استراتيجية وحدة الساحات، التي اقر اتباعها من قبل فصائل محور المقاومة منذ عام 2022، كما ذكرنا أعلاه.

وقد شهدت ساحات المواجهة العسكرية عمليات تعرضية لفصائل محور المقاومة، في اطار دعم واسناد ساحة عمليات حركة حماس في ضوء تداعيات عملية (طوفان الأقصى)، وعملية الهجوم المقابل الإسرائيلي الموسوم بعملية (السيوف الحديدية)، وكما يلي:

1. الساحة العراقية: قامت فصائل محور المقاومة في العراق بما يقارب (34) عملية عسكرية ضد القوات الامريكية في قاعدتي عين الأسد وحرير باستخدام الطائرات المسيرة الانتحارية والصواريخ، بحسب نائبة المتحدث باسم البنتاغون سابرينا سينغ» بتاريخ 18 نوفمبر تشرين الثاني 2023.

2. الساحة السورية: قامت فصائل محور المقاومة في سوريا بـ(43)، عملية عسكرية بالمسيرات والصواريخ، ضد القوات الامريكية في قواعد تل بيدر، والتنف، كما طالت الهجمات القواعد الأمريكية في حقل «كونيكو» للغاز وحقل العمر النفطي في دير الزور (شرق)، وفي منطقة الشدادي بريف الحسكة (شمال شرق).

3. الساحة اللبنانية: وهي أكثر ساحات المواجهة سخونة بعد الساحة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، حيث شهدت منذ عملية (طوفان الأقصى)، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول وحتى 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ما يقارب (180) عملية تعرضية أدت الى اجلاء (27) ألفا إسرائيلي مستوطن من 28 مستوطنة إسرائيلية قرب الحدود مع لبنان، ضمن مسافة (8-10) كلم من الحدود مع لبنان، كما أًخْليت معظم القرى على الجانب اللبناني من الحدود ضمن نطاق (5) كلم.

4. الساحة اليمنية: وهي ابعد الساحات من الناحية الجغرافي ولكن حركة انصار الله الحوثية كجزء من محور المقاومة والتزامها باستراتيجية وحدة الساحات، دخلت المعركة يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على «المستشفى الأهلي المعمداني» في غزة. وقد استخدمت الصواريخ أرض / أرض، والطائرات المسيرة الانتحارية، ومستهدفة ميناء ايلات الإسرائيلي. ونجحت في اسقاط الطائرة الأمريكية المتطورة MQ9 في مياه البحر الأحمر بتاريخ 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بعد قصفِ إيلات بالصواريخ والمسيَّرات.

فرضية الحرب الإقليمية

 روّج الكثير من السياسيين والمحللين الى فرضية مفادها أن عملية (طوفان الأقصى) التي انطلقت في السابع من أكتوبر 2023، قد تكون بداية لحرب إقليمية قد تندلع في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الجيوستراتيجية، في مرحلة يتبلور فيها نظام دولي جديد، في سياق المواجهة بين الشرق والغرب التي امتدت من سوريا الى أوكرانيا ، وقد تحتدم ويتفاقم أوارها في الشرق الأوسط، الذي يغلي بالتوترات بين واشنطن وطهران وشركائها  في محور المقاومة الا أن واقع الحال يثبت وبعد ما يقارب (45) يوما» من القتال في غزة، أن دول منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها دول محور المقاومة وفصائله المسلحة، غير متحمسة لخوض غمار مثل هذه الحرب في المرحلة الراهنة، على الأقل .. ولكن بالمقابل فان حجم الدعم العسكري الغربي الذي استدعته إسرائيل بقيادة الولايات المتحدة الامريكية التي أعلنت انحيازها الكامل والمطلق الى جانب اسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية. وسارعت الولايات المتحدة الى ارسال حاملتي الطائرات جيرالد فورد وأيزنهاور الى شرق البحر المتوسط قرب السواحل الفلسطينية، وعلى متنهما حوالي (10000) جندي، مع مجموعات سفن الحماية لها والتي تقدر بـ(30)، سفينة حربية ضخمة تتسلح جميعها بما يقارب (300) صاروخ كروز، وكذلك الغواصة النووية (أوهايو)، كما أمنت جسرا» جويا» لنقل المساعدات العسكرية من أعتدة ومقذوفات وآليات لدعم العملية العسكرية الإسرائيلية، بالإضافة الى القيام بإرسال ما يقارب (2000) جندي لدعم العمليات القتالية الصهيونية ضد قطاع غزة. ولايزال الدعم الأمريكي وإعادة نشر القوات الامريكية في منطقة الشرق الأوسط مستمرا» مع تطور الموقف في جبهة غزة. في وقت اصدر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تقريرا حول اهداف الانتشار العسكري الأمريكي واسع النطاق في المنطقة، بقلم مايكل آيزنشتات و مايكل نايتس قالا فيه (بينما تشن إسرائيل حربها ضد «حماس» في غزة، سيتمثّل التحدي الرئيسي الذي ستواجهه الولايات المتحدة في منع التصعيد الناجم عن مشاركة «حزب الله» والميليشيات العراقية الموالية لإيران في سوريا أو العراق، والحوثيين في اليمن، وربما حتى إيران..... وبناءً على ذلك، على واشنطن أن تحاول استباق الأحداث والتأثير في حسابات هذه الجهات الفاعلة من خلال التوضيح، بالأقوال والأفعال، بأن مشاركتها في الصراع ستستدعي رداً قوياً من الولايات المتحدة. )....

استنادا» لكل تلك المعطيات فان الحشد العسكري الغربي الضخم بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، هدفه تأمين ردع أو منع أي فعالية قتالية متزامنة وواسعة النطاق لفصائل محور المقاومة ضد إسرائيل بالشكل الذي يغير توازن القوى لصالح حركة حماس خاصة والمقاومة الفلسطينية عامة مقابل الآلة العسكرية الإسرائيلية. لاسيما وأن فصائل محور المقاومة تمتلك صواريخ باليستية بعيدة المدى خصوصا» حزب الله اللبناني الذي يمتلك وحده حوالي (15000) ألف صاروخ ما يعني أنه يستطيع اشباع منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية بـ(3000) الاف صاروخ يوميا» لمدة (50) يوما»، كما تمتلك فصائل محور المقاومة أعداد غير معلومة من طائرات مسيرة مفخخة اثبتت فعاليتها في الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن فصائل محور المقاومة يمكنها التأثير على حرية الملاحة في مضائق استراتيجية غاية في الأهمية هي مضيق هرمز ومضيق باب المندب. وعليه فان اتساع الحرب في غزة وانتقالها الى مرحلة الحرب الإقليمية مرهون باتساع وتصاعد فعالية فصائل محور المقاومة في اطار استراتيجية وحدة الساحات، ضد القوات الامريكية والغربية في كل من سوريا والعراق وكذلك ضد الأهداف الإسرائيلية في البحر الأحمر والخليج العربي..

الخاتمة

 كان غموض قواعد الاشتباك مع غياب رؤية واضحة للخطوط الحمراء التي وضعها (محور المقاومة)، لاستراتيجية (وحدة الساحات)، في اطار قراءته أو توقعه  لحجم رد الفعل الإسرائيلي والامريكي على عمليات محور المقاومة في الساحات السورية والعراقية واللبنانية واليمنية، نجم عنه، تباين واضح في توقيتات الفعل العسكري لفصائل محور المقاومة كل في ساحته في اطار استراتيجية (وحدة الساحات)، وهو ما أعطى انطباعا» لدى اطراف الصراع بان فعاليات محور المقاومة لردع إسرائيل ومنعها من الايغال في انتهاكاتها وجرائمها بحق الفلسطينيين في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة لاتزال منخفضة المخاطر على إسرائيل والقوات الامريكية في العراق وسوريا، حيث يبدو أن أطراف محور المقاومة من جهة والقوات الامريكية والإسرائيلية من جهة أخرى تتجنب المخاطرة بالتصعيد العسكري خوفاً من ارتكاب خطأ يؤدي إلى صراع أوسع نطاقاً ، قد يؤدي الى حرب إقليمية كبرى، يمتد أوارها الى الاقتصاد العالمي وامدادات الطاقة (النفط والغاز)، الى الغرب المنشغل بالصراعات العسكرية في أوكرانيا وافريقيا ..

 

 لواء ركن المتقاعد.. دكتور خبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية

 

 

 

 

 

 


مشاهدات 543
أضيف 2023/11/25 - 12:43 AM
آخر تحديث 2024/07/14 - 6:46 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير