الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أحلام بين الأدغال

بواسطة azzaman

أحلام بين الأدغال

ماهر نصرت

 

لم أكن أعلم في بادئ الأمر أن في تلك الحفرة العميقة تقبع فتاة حسناء يتملكها الرعب ، بعد أن شاهدت أحد الجنود يرمي بجسده هناك ، بعيداً عن جحيم قاذفاتنــــــا وعنفوان دويها .

كانت أعمدة الدخان تتصاعد من مصفحات تناثرت بأجساد طواقمها على الطريق وألسنة اللهب تلتهم بشراهة بقايا أكوام الحطام ...... اقتحمت الأدغال لأقف فوق تلك الحفرة المتطرفة مثل مغوار ثائر، أصوب فوهة بندقيتي إلى من بداخلها وأردد بصوت عنيف (آوت .. آوت .. آوت).

وجدتها ترتجف كالذي يساق إلى حبل المشنقة وتتوسل بهلوسة كلمات لم أفهم معناها وهي تنظر نحوي مثقلة الدموع، مهدمة القوى وكأنها علقت في ظلمات نفقٍ مهجور تتقافز بين جدرانه وحوش البرية وأشباح المقابر.

زوايا الاختباء

كان هناك صوت بعيد لطائرة تقترب ورفاقي المحاربين رحلوا بنصرهم وهتافهم يشقون طرق الأدغال المنحدرة نحو النهر حيث زوايا الاختباء وجحور الأمان …  أدركت في لحظة من الرأفة أيقظت بقايا إنسانيتي بأني قد غدوت جلاّداً للجمال والرقة … فها هي فتاة جميلة في ربيعها العشرين ذات عينين زرقاوين وخصر ممتلئ وبشرة شقراء فاتنة، تتقرفص مرتعبة في حفرةٍ مليئة بالوحل والحشرات، وقفت حائرا» أمام ذلك الكائن الجميل تتملكني الشفقة وتذكرت شهامة والدي في القتال يوم أمسك أسيراً مهشم الساق ، حمله فوق ظهره يوم كامل ليوصله إلى المفرزة الطبية خلف الجبل … رحت أطمئنها بكلمات متعثرة وبشيء أعرفه من الإنكليزية، وأزيز الطائرة يقترب

أحست بالأمان قليلاً بعد أن مددت لها يدي لأخرجها من قبرها، رفعتها إلى السطح وتزحزحت عنها متصرفاً بأخلاق رجل عربي أصيل يصون حرمة امرأة ، أمرتها بإلقاء السلاح والانطلاق أمامي مسرعة في الأدغال.

 صرت معجبا» بجمالها … أتأملها أثناء المسير ببصر محروم وعواطف معّذبة ونسيت أنها من أعدائي، أحسست برغبة عظيمة تشدني نحو أسيرتي … أحاول أن ألتصق بجسدها الأشقر … أرتشف من شفتيها حرمان الماضي وأهرب بنشوتها بعيداً عن قساوة الحاضر … أتشرنق بحنان امرأة تلملم شظايا كياني وتوقظ إنسانيتي من سراديب غفوتها … تحملني فوق حسن أنوثتها مجردا «من مخالب العنف والشقاء وتقذفني كعنصرٍ جديدٍ للطبيعة ... أهيم مع مكوناتها كإنسان له مشاعر يهوى الحب والرقة ويهرب من وحشية القتال ومخالب الهمجية .... الحب … ذلك الشيء الجميل الذي أدركته في مراهقتي ، كنت أقف لتلك الرائعة ( ليلى ) أبنت جارنا عند مفترق الطريق بشخصية هندسية مزيفة كأني مدير مصرف أو عالم ذرة أنتظر مجيئها بشوق ( كانتظار الفقراء أمام أبواب المساجد ) وعندما تغدو أمامي بجسدها اللعوب وهي تتوسط رفيقاتها الطالبات أعاني لحظتها من صراع مع ذاتـي أحاول عبثاً أن أصحح خفقات قلبي المضطرب أو أسيطر على ارتعاش سيقاني دون جدوى ، قذفت لها في أحد الأيام أقصوصة كتبت فيها ،

( أنتي أيتها السمراء المتكبرة ... يامن تعتقلين روحي وراء قضبان الحب حيث اللوعة والعذاب… بدأت ذرات جسدي تتفكك وأواصر مداراتي تتباعد فأرحميني قبل أن أتناثر متلاشيا ) ، أجابتني بورقة مزخرفة بورود رسائل العشاق ، أرسلتها بيد أبن أختها ( ياسر ) الشيطان الذي أصبح طبيباً للأسنان فيما بعد ، كتبت فيها كتابة عجيبة جاء فيها ( أنتظرني أيها الفيلسوف المخترع ، سأتحد معك بنواتي وأمنحك فضاء آت مداراتي ونصنع قنبلة ذرية ) ، وقبل أن أكمل سيناريو حبي العذري الجميل مع تلك الرائعة

( فيروز ) شاء القدر أن يقذفني في فوضى سنين قاسية لم أجد فيها غير صواعق الحرب ودوي الدمار فقدت فيها انطلاقة شبابي مرابطاً فوق قمم الجبال وتحت سقوف الملاجئ حيث الرهبة والخوف ، أرتجف بردا» واشكوا جوعاً  وأحشو مدفعي بآلة الموت الجهنمية لأطلقها صوب المدى حيث الأعداء كما يدعّون  ..  وأزيز الطائرة يقترب …كانت طائرة مروحية سوداء مخيفة كانها تمساح طائر رسم عليها العلم الأمريكي وها هي فوقنا مباشرة، تطلق صوتاً يزلزل الأرض ويتحدى الطبيعة ، تتأرجح تارة» بإعصارها الجارف بالقرب من قمم النخيل ، وترتفع تارة» أخرى مستديرة بعنف تطارد خطواتنا بضراوة... كنت وأسيرتي نقفز مسرعين فوق أحراش ملغومة بالحفر والأفاعي أحاول أن أختبئ وإياها بعيدا «عن قناّص مجنون يريد ان يفجر رأسي برصاصة  تحيلني إلى جثة وسط الحقل .

أخذت الطائرة ترشقنا بوابل من الرصاص وتكبح جماح خطواتنا، تيقنت في لحظة يأس بأني لن أنجو بهرولتي المتسلحفة تلك من أرنبة ذلك الصحن الطائر، حزمت أرادتي كمحارب يتقدم نحو الموت بخطى» ثابتة وخبأت أسيرتي فارسة أحلامي في حفرةٍ منزوية خلف نخلة مائلة وتحصنت وسلاحي بساتر متواضع أستعدادا» لملاقاة طائرة العدو القادمة .

اهلاً بالموت

حان وقت المنازلة، وهاهي الطائرة تقترب مني كصقرٍ ينقض على فريسة ، وجهت بندقيتي  نحوها وكنت أعلم بأني أحتاج إلى معجزة لكي أسقط تلك القلعة من عليائها ، وقفت عنيدا» خلف الساتر ألتزم بموقف تحدٍ غير متكافئ وأردد بكبرياء ( أهلا» بالموت أن كان هو السبب الوحيد الذي يعيد لمدينتي كرامتها ) .

وأنا منشغلا» بضبط بندقيتي ( آلة المصير ) شعرت بصعقة كهربائية مرعدة وخزتني في مؤخرة رقبتي ، زلزلت جسدي وأشلّت حركتي ، أدرت رأسي إلى الخلف مثل ثملٍ أفرط في شرابه وأذا بأسيرتي الحسناء تحمل آلة « سوداء كالتي يستخدمونها في صعق أجساد السجناء … أدركت أنها النهاية وحاولت عاجزا» أن أسدد فوهة بندقيتي نحو رأسها لكنها سبقتني في خطف السلاح من يدي ولكمتني بقوة على مؤخرة رقبتي  حتى شلت حركتي ، وبحركة  سريعة أطلقت شعلة تنوير حمراء ، هبط على أثرها ثلاثة جنود من الطائرة كأنهم رواد فضاء ، حملوني على عجل فوق سرير مشبك أنزلوه معهم من السماء ومن ثم إلى المعتقل حيث الاسر المذل وغموض المصير.

المجندة الأمريكية فرجينيا


مشاهدات 568
الكاتب ماهر نصرت
أضيف 2023/11/20 - 3:44 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 5:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 324 الشهر 7892 الكلي 9369964
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير