الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مدنيون لكنْ غير متحضرين

بواسطة azzaman

مدنيون لكنْ غير متحضرين

عبدالمنعم الاعسم

على الرغم من ان موضوع المدنية والتحضر صار من اهتمامات كتاب ومفكري فجر الوعي والحياة العصرية، غير ان مجتمعات القبيلة العربية، والادق مثقفيها، يعودون بين آونة واخرى الى طرح الاسئلة، فاقدة الدسم، بصدد الحدود بين المدنية والتحضر، اين تلتقيان، واين تفترقان؟.

والحقيقة التي جرى اعتمادها في الدراسات والتأملات المجتمعية انه لا يمكن للمرء ان ينضم الى جيل المتحضرين بمجرد انتقاله من الريف الى المدينة، وارتدائه البدلة الاوربية، والاقامة في فيللا باهرة، أو صار يستخدم الكبميوتر والمحمول والطائرات والسيارات الفارهة، أو يكون قد أجاد الحديث باللغات الاجنبية، وارسل شعره طويلا، واستخدم احدث وسائل التعامل مع البنوك، وعرف الطريق الى مضاربات المال والصفقات، وتوظيف السياسة والولاء في دواعي المصلحة، وربما قطع صلته بالقرية ودواوينها، ووثـّقها بالمدينة ولياليها، او هجر شلته في الحارة الشعبية بعدما وطدها بابناء القصور المحمية.

اقول، قد يكون الواحد منا قد نجح في كل ذلك لكنه لن يكون، بحسب المصطلح الاجتماعي الاكاديمي، اكثر من شخص اصبح متمدنا، وليس بالضرورة متحضرا، لأن التحضر، تغيير نوعي في السلوك والتفكير، يقوم على ممارسة قيم الحياة الجديدة التي انتجتها المدنية ومجرى تلاقح الثقافات، والتواصل الانساني في اصول التعامل مع الاخر بوصفه شريك في ملكية الحياة والمصير، ما ينعكس (خلال تجليات الانتقال من الفردية الى الجماعية) في حياة المجتمع نفسه، والمثل الذي اورده عالم الاجتماع الفرنسي بيير باردو يصح العودة اليه هنا حين قال “إجلب شخصاً ما من مجاهل الغابات من وسط أفريقيا أو الأمازون مثلاً، ثم ألبسه ما يليق بحياة المدينة ووفر له جميع أدوات المدنية المتاحة، فإن ذلك الآتي من الغابات قد أصبح “متمدناً” بسبب هذا، ولكن نمط تفكيره وتصرفاته وقناعاته سوف تبقى معاكسة ومخالفة لأبسط معايير التحضر.

في جدالاتنا الاجتماعية والثقافية قد يقال اننا متحضرون بالوراثة، او بعبارة اخرى مخادعة: اننا حاملو حضارة ومدنية غابرة.. لكن هذه النظرية بطلت منذ زمن قديم حين مرّ على انطفاء تلك الحضارة والثقافة الملهمة والمتألقة ما يزيد على الف عام غرقت فيها هذه الامم والشعوب في عالم الجهالة والتخلف، وهجرت الكثير الكثير من قواعد السلوك والتفكير التي انتجتها تلك المرحلة، بل وانقلبت على غالبيتها لتحل محلها نزعات من العصبية والخرافة والهرطقة والاباطيل والبدع وآخرها الطائفية، إذ صارت هذه العناوين ثقافة جمعية سائدة وشكلت هوية هجينة مترسخة، انتهت الى عامل معرقل للتطور واللحاق بالمستقبل.

على ان الانتخابات تشكل ركنا اساسيا في لوازم التحضر، فان ثقافة التخلف تدس نزعات الجاهلية والاحتقان والرغبة بالتنكيل واستخدام اساليب القهر والاحتيال واللصوصية في عملية التنافس التي تُظهر الفارق بين المتحضر حقا، وبين من يدعي.. وذلك إظهارا بالالوان الطبيعية.

 

 

 

 


مشاهدات 500
الكاتب عبدالمنعم الاعسم
أضيف 2023/11/10 - 9:25 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 8:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 43 الشهر 43 الكلي 9362115
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير