الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أمريكا وأخطاؤها الكبرى في المنطقة   (2-3)

بواسطة azzaman

أمريكا وأخطاؤها الكبرى في المنطقة   (2-3)

منقذ داغر

 

قلت أن علاقة أميركا بالمنطقة منذ 11 سبتمبر 2001 لغاية اليوم مرّت بثلاث مراحل كبرى(الدخول والخروج ثم العودة). وفي كل مرة بنت أميركا سياستها في المنطقة على أفتراضات خاطئة سببت لها قرارات أقل ما يقال عنها خاطئة وغير كفؤة. وبعد أن أدركت أميركا خطأ أستراتيجية الدخول(2001-2010)،عادت مضطرة للمنطقة بعد أحتلال داعش لأراضي عراقية وسورية وأعلانه دولة الخرافة. ومرة أخرى وقعت أدارتي أوباما وترامب اللتان صممتا ونفذتا أستراتيجية الخروج exit strategy   للأوام (2011-2023) في أفتراضات خاطئة كبرى أهمها:

أ‌. (أن الخلافات بين دول المنطقة يمكن أن تحل بدون ضغوط دولية). لقد أحدث غزو العراق وأفغانستان فراغاً كبيراً في السلطة وغيّر كثير من معادلات القوة الأقليمية التي كانت قائمة قبل ذلك. أدى هذا الأختلال غي موازين القوى الأقليمية لصالح أطراف معينة الى صعوبة،بل أستحالة، حل المشاكل والخلافات التاريخية المتجذرة من خلال الحوار المباشر بين دول الأقليم وبدون وجود كفيل دولي ضامن.

ب‌. (أنه يمكن معالجة هذا الأختلال في القوى الأقليمية من خلال أسترضاء تلك القوى وفي مقدمتها أيران والسعودية وأسرائيل بصفقات أقتصادية أو سياسية). لم تؤدي هذه الفرضية سوى الى أبقاء النار مشتعلة تحت الرماد بدلا من أيجاد مقاربات جديدة تقوم على أستراتيجية أمنية واضحة لكل المنطقة،وليس جزءً منها فقط. فأسترضت أمريكا أيران ببعض المغريات والحوافز الأقتصادية،في حين حاولت أسترضاء السعودية بتصريحات وزيارات دبلوماسية ووعود سياسية،في الوقت الذي أطلقت فيه أتفاقات أبراهام لأسترضاء أسرائيل وتطمين مخاوف العرب في مواجهة أيران.

ت‌. (أن أهمية المنطقة الأستراتيجية قد تراجعت،بعد تراجع أهمية النفط، وباتت تقتصر على مكافحة أرهاب داعش). أدى ذلك الى سحب كثير من الأصول الأميركية الأستراتيجية بأتجاه الصين،وتخلي أمريكا عن أهم أصول قوتها الناعمة(تحالفتها الأستراتيجية والتاريخية في المنطقة) والأبقاء على مزيج ضعيف من أصول قوتها الخشنة.

ث‌. (لم تعد القضية الفلسطينية مركزية في صراع الشرق الأوسط وتوارت في أهميتها كثيراً مقارنة بالحرب على الأرهاب). بالتالي يمكن تجاوز الفلسطينيين والأتجاه نحو التطبيع بين العرب وأسرائيل دون المرور بالمحطة الفلسطينية.

ج‌. (الأرهاب بمختلف أشكاله ومنظماته هو المرض الذي يجب أستئصاله). فشلت الأدارة الأميركية وحلفائها في أدراك أن الأرهاب هو عارض لأمراض أخرى أهمها الأحتلال الأسرائيلي لفلسطين،والفقر،والتخلف والدكتاتورية ،وأنه ليس مرضاً بحد ذاته.

ح‌. (أطلاق يد أسرائيل كوكيل أمني مطلق الصلاحية عن أمريكا ومصالحها). وخلال هذه الفترة التي أُطلقت فيها يد أسرائيل أقليمياً،بخاصة في مواجهتها مع أيران،تم أغفال التحولات الجذرية في بنية السياسة الأسرائيلية والتي أدت الى أختلال هيكلي كبير وأستقطاب شديد وزج جيشها في صراعات سياسية عميقة.

3. العودة للمنطقة. لقد أدت هذه الأفتراضات الخاطئة للسياسة الأمريكية في المنطقة الى تصاعد حدة الصراعات بخاصة بين محوري أيران(ووكلائها) من جهة ،وكل الدول العربية الخائفة من التمدد الأيراني،وأسرائيل من جهة أخرى. وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه كثير من المراقبين تطور المواجهة الموجودة أصلاً بين المحورين في مناطق الصراع التقليدية في المنطقة(اليمن،العراق،سوريا،لبنان)،فاجئت  حماس الجميع بهجومها على أسرائيل  في 7 أوكتوبر بعد أن أكتشفت أن فلسطين قد توارت أهميتها دولياً وأقليمياً بخاصة في أعقاب مسلسل التطبيع مع أسرائيل،وأن سلطتها في غزة باتت مهددة ليس بسبب سباق التطبيع فقط بل بسبب تململ الفلسطينيين الذين تحكمهم من سنين الحصار الطويلة وتحميلهم لحماس والسلطة الفلسطينية كثير من أسباب معاناتهم. فقد كشف أستطلاع للرأي أجراه البارومتر العربي في الأسبوعين الذين سبقا 7 أوكتوبر أن نسبة الغزيين الذين كانت لديهم ثقة بحماس لم تتجاوز 29 بالمئة وأن 72بالمئة قالوا أن الفساد منتشر في مؤسسات الحكم في غزة. أدت المفاجئة الحمسية لأسرائيل الى صدمة مشابهة لصدمة 11 سبتمبر سواء في أسرائيل أو أمــريكا. وســـارعت أمريكا لأرسال قواتها وحاملات طائراتها للمنطقة فضلاً عن أطلاق سيل من القرارات السياسية غير الرشيدة والمنحازة تماماً لأسرائيل دون وعي لأنعكاساتها الاستراتيجية على أمريكا قبل المنطقة.مرة أخرى تصرفت السياسة الأميركية بشكل سريع(مثلما حدث في مرحلتي الدخول والخروج) وبنت سياستها بناءً على أفتراضات خاطئة سيتم تفصيلها في مقال قادم.

 

 


مشاهدات 621
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2023/10/30 - 12:27 AM
آخر تحديث 2024/07/18 - 1:57 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 370 الشهر 7938 الكلي 9370010
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير