الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رسالة‭ ‬الى‭ ‬جندي‭ ‬أمريكي حارب‭ ‬في‭ ‬العراق

بواسطة azzaman

رسالة‭ ‬الى‭ ‬جندي‭ ‬أمريكي حارب‭ ‬في‭ ‬العراق

 نزار محمود

 

أجلس‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المدن‭ ‬الأمريكية‭ ‬أتأمل‭ ‬المارة‭ ‬في‭ ‬رواحهم‭ ‬ومجيئهم،‭ ‬وأقرأ‭ ‬وجوههم‭ ‬بما‭ ‬أتخيله‭ ‬من‭ ‬معان،‭ ‬منتهياً‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جمعته‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬وأنا‭ ‬اليوم‭ ‬ابن‭ ‬السبعين،‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬نفسية‭ ‬وسياسية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬وما‭ ‬تخصصت‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الإدارة‭ ‬والاقتصاد‭.‬

في‭ ‬الشهر‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2005‭ ‬حصل،‭ ‬تزامناً،‭ ‬حدثان‭: ‬الأول،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أخبرتني‭ ‬به‭ ‬أسرتي‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬اعتقال‭ ‬اخوين‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬مداهمتهم،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وانقضاضهم‭ ‬على‭ ‬المنزل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجموعة‭ ‬جنود‭ ‬امريكان،‭ ‬في‭ ‬غالبيتهم‭ ‬سود‭ ‬البشرة،‭ ‬وهم‭ ‬يصرخون‭ ‬ويهددون‭ ‬ويتسارعون‭ ‬الى‭ ‬اعتقال‭ ‬هذين‭ ‬الأخوين‭ ‬واحداً‭ ‬بعد‭ ‬الآخر‭.‬

الحدث‭ ‬الثاني،‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬رزقت‭ ‬بولدي‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬تأخرت‭ ‬تسميتنا‭ ‬له،‭ ‬وجاءت‭ ‬أخيراً‭ ‬تلك‭ ‬التسمية‭ ‬لتحمل‭ ‬في‭ ‬معناها‭: ‬السيف‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬حديد‭ ‬الهند‭: ‬مهند‭!. ‬وكأني‭ ‬أردت‭ ‬به‭ ‬الوسيلة‭ ‬لتحرير‭ ‬إخوتي‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬الأمريكان‭ ‬لهما‭!‬

أثناء‭ ‬جلوسي‭ ‬في‭ ‬الحديقة،‭ ‬مر‭ ‬من‭ ‬أمامي‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الخمسينات،‭ ‬داكن‭ ‬البشرة،‭ ‬وهو‭ ‬يدور‭ ‬بيديه‭ ‬عربة‭ ‬تجره‭ ‬في‭ ‬سيره‭. ‬لست‭ ‬أدري‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬دفعني‭ ‬لأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬عمل‭ ‬جندياً‭ ‬في‭ ‬سلاح‭ ‬المارينز،‭ ‬وحتى‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حارب‭ ‬في‭ ‬العراق‭!‬

امتلكت‭ ‬الجرأة،‭ ‬وربما‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬الوقاحة،‭ ‬نهضت‭ ‬من‭ ‬مقعدي‭ ‬وسرت‭ ‬اليه‭. ‬استأذنته‭ ‬بسؤال،‭ ‬وكان‭ ‬مباشراً،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سلمت‭ ‬عليه‭: ‬هل‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬سلاح‭ ‬المارينز‭ ‬في‭ ‬العراق؟

كان‭ ‬وقع‭ ‬سؤالي‭ ‬عليه،‭ ‬صاعقاً‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬رفع‭ ‬رأسه،‭ ‬وحدق‭ ‬في‭ ‬عيني،‭ ‬وأجاب‭ ‬بصوت‭ ‬متدهج‭: ‬نعم،‭ ‬وكأن‭ ‬لحن‭ ‬صوته‭ ‬يقول‭: ‬للأسف‭!‬

يعرف‭ ‬الكثيرون‭ ‬كيف‭ ‬يقوم‭ ‬ويسير‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬أحزابه‭ ‬وحكوماته‭ ‬ومحركات‭ ‬اقتصاده‭ ‬واعتماده‭ ‬هرواته‭ ‬العسكرية‭ ‬وحروبه‭ ‬الاستعمارية‭ ‬ودسائسه‭ ‬المخابراتية‭. ‬وكذلك،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬بآلاف‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬والحالمين‭ ‬بعيش‭ ‬كريم،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ” ‬المواطنون”‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬الداكنة‭. ‬انها‭ ‬البطالة‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الأنا‭ ‬الاجتماعية‭!‬

هؤلاء‭ “‬المساكين‭” ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬من‭ ‬غرر‭ ‬بهم؟‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬يقاتلون‭ ‬ويموتون‭ ‬ويعوقون،‭ ‬وحتى‭ ‬كيف‭ ‬سيعيشون؟

غسلوا‭ ‬ادمغتهم‭ ‬بحرية‭ ‬هم‭ ‬لا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بها،‭ ‬وبديمقراطية‭ ‬اصحاب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال،‭ ‬وبحقوق‭ ‬نسبية‭ ‬غير‭ ‬مطلقة‭.‬

جاؤوا‭ ‬الى‭ ‬العراق‭ ‬غزاة‭ ‬محتلين،‭ ‬قتلة‭ ‬مأجورين،‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬ما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭. ‬زرعوا‭ ‬في‭ ‬رؤوسهم‭ ‬صورة‭ “‬الدكتاتور‭” ‬وأغروهم‭ ‬بحفنة‭ ‬دولارات‭ ‬مسروقة،‭ ‬فنسوا‭ ‬الدماء‭ ‬التي‭ ‬أسالوها‭ ‬والأرواح‭ ‬التي‭ ‬أزهقوها‭ ‬والحقوق‭ ‬التي‭ ‬أهدروها‭ ‬وأضاعوا‭ ‬أحلام‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬عيشهم‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬وطنهم‭.‬

عندما‭ ‬رويت‭ ‬له‭ ‬ذلك،‭ ‬اغرورقت‭ ‬عينا‭ ‬الجندي‭ ‬المتقاعد‭ ‬المعوق‭ ‬بالدموع،‭ ‬وحملني‭ ‬أمانة‭ ‬اعتذاره‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬شعب‭ ‬العراق‭!‬

برلين،‭ ‬09‭.‬06‭.‬2023


مشاهدات 747
أضيف 2023/06/16 - 10:45 PM
آخر تحديث 2024/07/16 - 12:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 260 الشهر 7828 الكلي 9369900
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير