الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السوق الدوائية ومعايير التوازن بين الحاجة والفساد

بواسطة azzaman

السوق الدوائية ومعايير التوازن بين الحاجة والفساد

 

حمدي العطار

 

السوق العراقي قد يقبل على شحة كبيرة في مجال الادوية البشرية، الحكومة بدأت باتخاذ حزمة إجراءات مشددة لمحاولة ضبط هذا السوق المضطرب دائما. لكن على ما يبدو ان هذه الإجراءات لم تأخذ بالحسبان مدى تأثر المواطن العراقي بما يمس حياته وصحته بشكل مباشر من خلال أسلوب الصدمة وعنصر المفاجئة الذي اتبعته الجهات المكلفة بضبط الوضع. كان يجب على الحكومة ان تضع معايير توازن بين حاجات السوق ومحاربة الفساد، مع التمييز بشكل واضح بين:

الادوية المهربة: وهي الادوية التي تدخل للبلد بدون أي موافقات مسبقة ولا تمتلك أي شهادات فحص داخل العراق والتي لا يضمن أحد صلاحية استهلاكها البشري وظروف خزنها. ولم يتم دفع أي رسوم جمركية وضريبة عليها.

شهادات فحص

وبين الادوية الداخلة عبر الإقليم وحائزة على شهادات فحص: وهي التي تدخل من إقليم كردستان باتجاه المحافظات العراقية كافة وتمتلك موافقات أصولية وشهادات فحص صحيحة ومدفوعة جمركيا وضريبيا وتنتقل بوسائل نقل سليمة من حيث ظروف الخزن والتبريد.

والنقطة الأهم في هذا المجال هي تنبيه المستوردين ومنحهم الوقت اللازم لترتيب وتكييف أوضاعهم القانونية بما ينسجم مع التعريفات انفة الذكر. وتقديم كل التسهيلات التي من شأنها ان تجعل المستورد راغبا بتسجيل الوكالات الرصينة في وزارة الصحة، ومن المؤكد ان يلجأ هذا المستورد الى وزارة الصحة في إقليم كردستان وتمرير بضائعه من خلالها لما يجده من تسهيلات كبيرة على مستوى الوقت المستغرق لملف التسجيل والكلف المترتبة على ذلك. لا يوجد مبرر لتقسيم ملفات تسجيل الادوية بما يعرف بنظام (الصباحي، المسائي والسريع) فلأول يستغرق فيه المستورد من سنة الى سنة ونصف والثاني يستغرق وقتا قد يصل الى ثمانية أشهر مقابل 3,500,000 د.ع للمستحضر الواحد واما التسجيل السريع فيكتمل بـ أربعة أشهر مقابل 5,000,000 د.ع للمستحضر الواحد لأنه ينقسم الى تسجيل ابتدائي ونهائي ويحق للمستورد ان يطالب بموافقة استيرادية في حال دفع الرسوم كاملة بمرحلة التسجيل الابتدائي لحين اكمال متطلبات التسجيل النهائي.. ومن الطبيعي ان لا يمرر الموظف الحكومي معاملات التسجيل الصباحي لأنه لن يحصل من خلالها على الحوافز المالية التي تقدمها له الوزارة على عكس تمريرها بالتسجيل المسائي والسريع وهذا الموضوع أصبح بحد ذاته ملف فساد رسمي برعاية الدولة العراقية ومن الطبيعي ان تقدم الدولة حوافز لموظفيها ولكن ما دام الموظف المسؤول عن التسجيل الصباحي هو نفسه المسؤول عن التسجيل المسائي والسريع فهنا تحدث الطامة الكبرى ومن هنا نفهم لما يتم حسم ملفات المسائي والسريع على حساب ملفات الصباحي. وكذلك الحال أيضا بعد اكمال ملف التسجيل فأن المستورد سيواجه نفس الطريقة عند المطالبة بموافقة استيرادية للمستحضر الُمقّر، فيستطيع الحصول على تلك الموافقة خلال أسبوعا واحدا مقابل 1,250,000 د.ع لكل عشر مستحضرات في النظام المسائي ولكنه لن يستلم الموافقة بأقل من شهر ونصف الى شهرين بالنظام الصباحي مقابل 250,000 د.ع لكل عشر مستحضرات.

فالتحدي لإكمال ملفات التسجيل كبير جدا ومعقد ويحتاج الى كوادر صحية مؤهلة اكثر مما هو متوفر حاليا والقضاء على ظاهر الصباحي والمسائي واستبدالها بآليات اكثر مهنية كاعتماد تسهيلات وفقا لمستوى الشركات من حيث الجودة وتقسيمها الى شركات رصينة ومتوسطة ومقبولة ورديئة، يجب ان يلعب المنشأ او بلد التصنيع دورا مهما وحيويا كمعيار للمفاضلة – أيضا – في عملية تقييم الادوية.

ومن النقاط المهمة أيضا بهذا الصدد هو تفعيل مراكز الفحص او ما يعرف رسميا بالمختبر الوطني للرقابة والبحوث الدوائية، لا يوجد سبب لجعله مركزا واحدا فقط في كل العراق ومقره في العاصمة بغداد، مع العلم ان البدائل متوفرة وجاهزة على الأقل في البصرة والنجف، حيث توجد مراكز مؤهلة وجاهزة للعمل وكوادرها مدربة، ولو افترضنا انها غير مؤهلة فعملية تأهيلها وجعلها فاعلة لا تأخذ اكثر من شهرين بإمكانيات العراق المالية والعلمية.

ومن الأمور المهمة هي الغاء المركزية المقيتة بما يعرف بـ(التسويق) أي ان كل شحنات الادوية والأجهزة والمستلزمات الطبية والمختبرية يجب ان تُسّيير الى ما يعرف بالميناء الجاف في أبو غريب وهو مكان استثماري منح لشركة لبنانية أستطيع القول انه لا فائدة منه سوى قبض الأموال من المستوردين، ولو افترضنا انه ذو فائدة ترجى فيجب فتح أكثر من ميناء جاف للبضائع الداخلة عبر منافذ ام قصر وطريبيل وإبراهيم الخليل وعدم اجبار المستوردين للتوجه نحو هذا الميناء وبرفقة مأمورين مكلفين من الدولة... لماذا لا تجبى رسوم الجمرك والضريبة بنفس المنفذ الحدودي الذي تدخل منه البضائع؟

نحن كلنا ضد التهريب والفساد وما يحدث الان في المشهد العراقي هو حالة قد تكون ناتجة من خلاف سياسي مع إقليم كردستان، الادوية الداخلة عبره ليست مهربة وانما رسمية ومفحوصة من إقليم هو جزء من البلد وجزء من حدوده الجغرافية، تسوية الأمور المالية والقانونية بين إدارة الإقليم وحكومة المركز يجب ان لا يكون ضحيتها المواطن العراقي الذي يعاني من امراض مزمنة وحالات طارئة، فلا معنى لاستثناء الادوية الداخلة بموافقات استيرادية من الجهات المختصة في إقليم كردستان في حال مطابقتها للمواصفات... علما ان هذه التعليمات صدرت في 10 / 5 / 2023 وتحددت بموعدٍ أقصاه في 15 / 5 / 2023 وهل تعتبر هذه الفترة – أي خمسة أيام – كافية للإفصاح مع وجود حوالي 670 مكتب علمي مسجل في العراق ؟ 

منفذ إبراهيم الخليل وتحديات ادخال المواد

بموجب الامر الديواني رقم 6 لسنة 2019 فأن هذا المنفذ احد المنافذ المسموح بإدخال الادوية من خلاله، والحقيقة هو عبارة عن كمين لصيد المستوردين الذين يدخلون بضائعهم بشكل رسمي واصولي، فالمعاناة التي تواجه المستورد تجعله عاجزا عن مواجهة التحديات بالفعل، لان المنفذ يقع ضمن حدود إقليم كردستان والدائرة الرسمية التي يتم من خلالها تنظيم المعاملة تقع في محافظة الموصل، لا يتم اصدار أوامر تسويق ولا دفع جمرك ولا ضريبة من خلاله، وما ان تتحرك السيارات منه يتم ضبطها بمخالفة جمركية في محافظة كركوك بمادة تنص على " مخالفة الامر الديواني رقم 6 – 2019 " فحتى المادة المستخدمة لمخالفة المستورد هي مادة غير قانونية ولا يوجد لها اصل، لان الامر الديواني رقم 6 – 2019 لم يعدل او يلغى او على الأقل يلحق به ما يمنع استيراد الادوية عبر منفذ إبراهيم الخليل. علما ان الإجراءات سابقا كانت تنص على ضرورة تنظيم " نداء عمليات " يصدر من مكتب السيد رئيس الوزراء بعد تقديم كافة الأوليات والتعهدات ومعلومات السائق والسيارة والحمولة لتصدر الموافقة التي لا تعمل بموجبها جمارك كركوك!! وهذه العملية المعقدة والطويلة لطلب تسهيل المهمة تستغرق ما لا يقل عن 60 يوم وبالتالي يمضي على الأقل شهرين من صلاحية الدواء مع خطورة الخزن في الشاحنات طوال هذه الفترة وتكون مهلة " النداء " هي 72 ساعة فقط لم تراعي ظروف الطريق كأبسط احتمال.

كل الذي تحدثنا عنه أعلاه شي من عدة أشياء تنعكس أولا وأخيرا على المواطن، ولو تخيلنا ان الأمور وردية والإجراءات سريعة، فأن الكلف المالية التي تترتب بسبب الإجراءات غير المهنية ستنعكس بالتالي على السعر النهائي للدواء وسيضاف عليه ما يقارب 35% ليضمن المستورد شيء بسيط من الربح لإدامة العمل وتوفير رواتب موظفيه وتطوير القطاع الصحي العراقي، فكل هؤلاء شركاء حقيقين للمستثمر في مجال الادوية.


مشاهدات 572
أضيف 2023/05/21 - 4:44 PM
آخر تحديث 2024/06/26 - 7:11 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 92 الشهر 92 الكلي 9362164
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير