الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مواويل كريم العراقي الروحيّة 

بواسطة azzaman

مواويل كريم العراقي الروحيّة 

  عبدالرزّاق الربيعي  

 

عرفتُ الشاعر كريم العراقي منذ سنوات بعيدة، شاعرا يكتب القصيدة العامية بحس مختلف، يمتلك قدرة عجيبة على التقاط المعاني من الطريق، على حدّ قول الجاحظ، ويحيلها سبائك ذهب، كان ذلك قبل أن يشتهر ويصبح شاعر أغنية، من طراز رفيع، ما أن تدخل كلماته سمع الجمهور، حتى تجري على لسانه، وصلت كلماته إلى المسامع، فغنى له معظم المطربين العراقيين والعرب، لكن حصة الأسد كانت لكاظم الساهر الذي غنى له أكثر من 150 أغنية، في رسالة بعثها الشاعر نزار قباني من لندن في أكتوبر عام 1996م، لكريم العراقي يقول" حين وصلتني رائعتك (موال الغربة) دخلت المطبخ, وضعت شايا( ابوالهيل) وجلست مع استكانة الشاي وأمامي بلقيس, وشعرها الطويل الذي كان يغطي المآذن والقباب وأشجار النخل في حي السفينة بالأعظمية، ثم بحثت عن (سمك مسقوف) لدي البقالين الانكليز، هذه ليست قصيدتك يا كريم، إنها قصيدتنا جميعا، نحن المنفيين في فضاء العالم، وليس معنا سوى حقيبة ملأى بالياسمين الدمشقي، والرازقي العراقي، وصورنا (التي كانت تتوسط البيت)" ويختمها بقوله " اكتب لنا دائما أحاسيسنا، وأحلامنا، بأسلوبك الطفولي الجميل.."

ورغم أنه منذ حوالي ثلاث سنوات يصارع الداء الخبيث الذي شنّ هجوما على جسده النحيل، إلا أنه لم يتوقف عن كتابة الشعر، فهو يكتب في كل يوم تقريبا، وكلما نتواصل، أسأله عن وضعه الصحي، فيتحدّث بمرارة عن جلسات الكيمياوي، وتنقلاته بين المستشفيات، والعمليات الجراحية التي يخضع لها بين وقت وآخر، لرفع أجزاء من أعضائه، حتى صار يعيش بنصف جسد، لكنه في النهاية يختتم حديثه بأنه مازال يكتب الشعر، فيقرأ لي شيئا ممّا كتب، فتتوهّج روحه، ويقوى صوته، ويعود كريم القديم المعافى الذي عهدته، فأقول له: ما دمت مواظبا على الكتابة الشعرية، فأنت بخير"،  وفي  اتصال لي به، سألته عن جديده، فقال كتبت مقاطع شعرية فيها نفحات روحية، ومضى يلقي على مسامعي:

مآسي الكون ليس لها انتهاء

وبعض من مكارمنا دواء

ولا نرجو سوى رضوان ربي

ألسنا كلنا طين وماء؟

فوجدت في هذين البيتين فيضا روحيّا، وصفاء، ووقفة مع الذات، من تلك الوقفات التي اعتاد الإنسان الاسترخاء في أكنافها كلما قطع شوطا من مضمار الحياة،

قلت له: أكمل، فواصل القراءة:

لنا من جنسنا بشر ضحايا

وغير الصبر ما وجدوا بديلا

أخي الانسان كن لأخيك أهلا

وكن بيتا وكن قلبا جميلا

خطاب شعري يدعو للمحبّة والسلام، ونبذ الاقتتال، والتحلّي بالصبر عند الشدائد

جرى نهر السعادة جري نهر

فأطفأ نار حزن في الضلوع

 دموع الشكر تحسبها صلاة

لوجه الله خالصة الخشوع

وسررت حين علمت أنه كتب ثلاثين مقطعا وفق هذا النَفَس الروحاني، وأنّه سجّلها بصوته لفضائية الشارقة في برنامج يومي رمضاني، وكان يتحرج من القائها بصوته الذي داهمه التعب، وكان يخشى أن يخذله عند التسجيل، فطلب مني تسجيلها بصوتي فاعتذرت، وقلت له: أنت قادر على ذلك، وبالفعل قام بتسجيلها بصوته الذي صدح بفضل قوّة الروحانيات الكامنة في كلماته، ولم يكن الأمر مفاجئا بالنسبة لي، فمن خلال معرفتي الشخصيّة بالعراقي، لم يكن بعيدا عن الأجواء الروحية التي نشأ في أكنافها، وأمضى طفولته بين تلك الأجواء، وشكّلت له خلفية سلوكيّة، وثقافيّة، ففاضت لتغمر كلماته، ومواويله بفيوضات روحية :

الدينُ حبٌّ والعبادةُ رحمةٌ               لله ترجع كلها الأديان

عوّد بنيك على التسامح دائما          فمن الطفولة يبدأ البنيان


مشاهدات 472
أضيف 2023/04/05 - 2:32 PM
آخر تحديث 2024/06/23 - 9:15 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 305 الشهر 305 الكلي 9362377
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير