الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
 مراد هوفمان.. دبلوماسي إجتذبه الفن الإسلامي   3

بواسطة azzaman

شخصيات عرفتها 12

 مراد هوفمان.. دبلوماسي إجتذبه الفن الإسلامي   3

صلاح عبد الرزاق

 

دوافع محمد أسد لاعتناق الاسلام

- ما زلت ترفض قصة اعتناق أسد للإسلام التي أوردها في كتبه. كما أنك تعتبر مشهد المترو في برلين ونتائجه غير مقبول.

هوفمان: أنا أعرف ابن زوجته الأولى، والذي نشأ معه في السعودية منذ البداية. فقد كان عمره ثمان سنوات ومكث مع أسد (زوج أمه) قرابة ثمان سنوات، حتى تركه في عمر 16 عاماً. لقد عاد إلى ألمانيا لأن خاله طالب به، وهو ما يزال حياً. لقد حدثني بقصص كثيرة عن محمد أسد. وفي النمسا قام أحد الباحثين بكتابة رسالة دكتوراه عن محمد أسد ، ووجد بأن بعض القصص التي أوردها محمد أسد في (الطريق إلى مكة) غير صحيحة مطلقاً. يوجد قليل من الخيال والشعر قد أضيفا إليه.

• ولكنك أشرت إلى هذا الكتاب في مقالتك الانفة الذكر.

هوفمان: نعم، لقد صوّر نفسه بأنه كان مغرماً بحب العرب، فالاسلام لم يحتل دوراً. إنه الشرق .. اللغة .. العرب .. والعرب الذين أعجب بهم كثيراً. فيما بعد اكتشف أسد الاسلام، وتحول حبه للعرب إلى حب الاسلام. لقد كان هذا التحول الكبير الثاني في حياته. ثم اعتقد أن الاسلام سيكون هو البديل المناسب للعالم الغربي، الطريق التي وصفها في (الاسلام على مفترق الطرق). هذا هو محمد أسد الذي لم يكن متحرراً بعد من الوهم ، بل كان متفائلاً.

• انت وصفت أسد بأنه (هدية) أوربا إلى الاسلام، ما هي المساهمات التي قدمها أسد للإسلام؟

هوفمان: أولاً، أن يقوم يهودي ومن عائلة حاخام بالتحول إلى الاسلام فهذه رسالة إلى العالم اليهودي. لقد كان مفكراً أوربياً قد اعتنق الاسلام ، وهذه الرسالة الثانية. لقد مهد الطريق لنا أمام أهم مصدرين في الاسلام: القرآن والحديث. لقد ترجم صحيح البخاري. وكان معظم مخطوطة هذه الترجمة قد ضاعت منه. لقد قدم خدمة كبيرة في ترجمة البخاري. كما قدم مساهمة كبيرة في ميدان الفقه وخاصة فيما يتعلق بالحكومة الاسلامية وحقوق الانسان. لقد تناول القضايا الرئيسية في الاسم مما جعل الاسلام مقبولاً من قبل الأمريكان والأوربيين.

• فيما يتعلق باليهود الذين اعتنقوا الاسلام ، يوجد يهود آخرين أيضاً أمثال مريم جميلة Maryam Jameelah (1934-2012). وفيما يتعلق بالمفكرين الأوربيين، فقد سبقه لذلك العديد من المفكرين الأوربيين أمثال وليام كويليام في بريطانيا في بداية القرن العشرين. وكلهم قدموا مساهمات للإسلام. ولا ننسى أن محمد مرمادوك بكتال كان أول انكليزي مسلم ترجم القرآن الكريم. فلماذا صار أسد متميزاً بينهم؟

هوفمان: يجب أن تأخذ الزمن بنظر الاعتبار. عندما أصبح أسد مسلماً كان ذلك في العشرينيات من القرن العشرين. ذلك لم يكن شائعاً على الاطلاق آنذاك. كما أن ظاهرة العمال المسلمين لم تكن موجودة في أوربا بعد. وكان العالم الاسلامي مجرد دول بائسة. كانت البلدان الاسلامية مستعمرة من قبل الغرب . لقد رفع مشعل الاسلام في الظلام الدامس لذلك الوقت. اليوم تبدو القضية سهلة.

• هل تعني أن أسداً كان رائد عصره؟

هوفمان: نعم، كان رائداً.

• لاحظت أن كتابه (الاسلام في مفترق الطرق) قد ذاع صيته في العالم الاسلامي، كما كان له تأثير بين العرب ورجال الفكر الاسلامي. فقد استخدم سيد قطب مصطلح أسد (الصليبية الجديدة) في الخمسينيات . و لكن فيما يتعلق بكتبه الأخرى مثل (مبادئ الحكومة والدولة في الاسلام) لم أجد كاتباً يشير إليه أو ينقل عنه، مع العلم أنه يناقش قضية الحكم والدولة ، والتي تهم الحركات الاسلامية والاسلام السياسي.

هوفمان: هناك اختلاف كبير في النظرة نحو أسد بين الدوائر الاسلامية الغربية وبين المسلمين في العالم الاسلامي. في مقالتي أشرت إلى واحدة من القضايا، وهي أنه كان متزوجاً من ابنة شيخ قبيلة [الشمري] ، واستمر زواجه بها 23 عاماً، ثم طلقها ليتزوج باولا حميدة، الأمريكية من أصل بولندي. بطلاقه من السيدة العربية فقد أسد وضعه في العالم العربي. لا يزال كثير من الناس لا يغفرون له طلاقه من نبيلة سعودية.

- في مقال كتبه مارتن كريمر Martin Kramer (1954-) وهو أمريكي-اسرائيلي، ذكر أن محمد أسد قام باعادة علاقاته مع اقاربه اليهود المقيمين في اسرائيل أمثال عائلة خاله. فهل يمكن أن يكون ذلك هو السبب الذي أفقده منصبه كسفير للباكستان في الأمم المتحدة؟

هوفمان: كلا، هذه مجرد رواية. لقد عشق أسد السيدة باولا حميدة ولكن وزير الخارجية الباكستاني أيضاً قد وقع في حبها. كلا الرجلين أراد الزواج بها، لكنها فضلت أسد وتزوجته. الأمر الذي أغضب وزير الخارجية فطرده من منصبه. إنها قصة حب حقيقي. ولما كان رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك (لياقت خان 1947-1951) من طائفة الأحمدية ، فهو عادة ضد أسد. فهذه هي خلفية القضية.

• لأنك كنت على اتصال به، هل لاحظت أنه كان مستاءاً من معاملة الحكومة الباكستانية له؟

هوفمان: لعل ما جعله يختار مغادرة وزارة الخارجية هو نجاح كتابه (الطريق إلى مكة) ، واعتقد أنه بامكانه العيش على أرباحه، وأنه أراد الاستمرار في الطريق الذي طالما رغب السير فيه : الدعوة. ولكن في الواقع لم يعامل أسد معاملة حسنة من قبل وزير الخارجية.

• ألم تدفع الحكومة الباكستانية له راتباً أو تقاعداً؟

هوفمان: بسهولة، فسخوا العقد معه.

• هل كان يعمل ضمن عقد عمل أم موظفاً حكومياً؟

هوفمان: لقد كان هناك لوقت طويل، ثم تم استدعاؤه في الخدمة الخارجية عندما كانوا يبحثون عن سفير يذهب إلى الأمم المتحدة. وكان ذلك عام 1950. وحتى عندما اكتشفوا أنه ليس مواطناً باكستانياً، منحوه الجنسية بسرعة كي يمكنه الحصول على جواز سفر دبلوماسي، ثم أرسلوه بسرعة إلى الأمم المتحدة. بعد ثلاث سنوات كتب (الطريق إلى مكة) ، ولذلك لم يجد ما يطالب به لأنه عمل لمدة ثلاث سنوات فقط.

هوفمان: هناك شك كبير بين المسلمين العرب ، وذكرته في مقالتي، وهو أن اليهود الذين يشهرون اسلامهم ربما يريدون الكيد للإسلام.

• لقد ذكرت في مقالتك أن العرب ينظرون بعين الشك لغير العرب الذين يقومون بتفسير النصوص الاسلامية، ولكن ، وكما لاحظت أنت، هناك العديد من المفسرين من غير العرب أمثال الزمخشري والفخر الرازي.

هوفمان: نعم، ولكنهم لم يكونوا من أصل يهودي.

• ولكن هناك ايضاً العديد من الصحابة والمؤرخين ممن كانوا من خلفية يهودية أمثال بن سلام وعبد الله بن وهب وغيرهم. وقد شاركوا في تفسير القرآن ونقل الحديث النبوي، وهم مقبولون من قبل بقية المسلمين.

هوفمان: ولكن وكما ذكرت بأن ذلك في الصدر الأول للإسلام، ولكن كان هناك خائن مشهور بين الصحابة وهو من أصل يهودي. لقد كانت هناك شكوك تجاه اليهود الذين اعتنقوا الاسلام.

• هل تعتقد أنه كان لدى أسد شعور حساس تجاه أصله اليهودي؟

هوفمان: لقد فقد بعض أفراد عائلته في معسكر (أوشفتز Auschwitz ) حيث قتلوا هناك. من جانب آخر صار مسلماً.

• يقول اسد (لقد رأيت في فلسطين مدى الظلم الذي يمارسه المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين). يبدو في النص تعاطف أسد مع الفلسطينيين ومناوئاً لليهود.

هوفمان: لقد كان أسد ضد الصهيونية. عندما تزوج قبل اسلامه، لم يتزوج بيهودية بل تزوج بألمانية مسيحية.

• في كتابك (الطريق إلى مكة) ذكرت أن أسد في أخريات حياته تساءل فيما لو عاد إلى شبابه ربما كان لا يختار الاسلام بسبب الوضع المزري للعالم الاسلامي اليوم.

هوفمان: لقد قال لي: أشكر الله أنني أصبحت مسلماً قبل أن أذهب إلى العالم الاسلامي لأنني كنت سأصاب بالذعر. لقد اعتنق الاسلام في برلين بعد أن زار فلسطين فقط عام 1927. ثم سافر إلى القاهرة. هذا يشابه ما قاله احدهم بأنه ( يوجد مسلمون كثيرون في العالم الاسلامي ولكن القليل من الاسلام، وفي الغرب يوجد اسلام كثير وقليل من المسلمين).

• ينسب هذا القول إلى الشيخ محمد عبده.

هوفمان: ربما كان أسد يعني ذلك. لقد لم يكن نادماً مطلقاً لأنه صار مسلماً ،ولكن هو يشكر الله لأنه اعتنق الاسلام قبل أن يرى الأشياء السلبية في العالم الاسلامي.

• كيف كانت حالته في سنواته الأخيرة؟

• عندما كنت سفيراً في المغرب، كنت أمر في طريقي باسبانيا كي ألتقي به. فكنت أدق الباب قائلاً: أنا هنا، فيقول: اصعد. في عام 1991 قال لي: أرجو أن لا تأتي، لأنه كان ضعيف جسمياً بحيث لا يريد أن يراه أحد ، ثم توفي عام 1992.

 

 

محمد أسد ومشروع الدولة الاسلامية

أنت معجب بنظرية محمد أسد التي أوردها في كتابه (مبادئ الدولة والحكومة في الاسلام)، حيث ذكرت ذلك في عدة موارد في كتبك، هل تؤمن بنظريته؟ أعتقد أن نظريته هي الرؤية الكاملة الوحيدة لدولة اسلامية من قبل مسلم أوربي.

هوفمان: نعم، أنا أعتقد أنه من أهم الكتب التي عالجت قضية الحكومة الاسلامية. يجب أن ينظر إليها على أنها ضد الخلفية التي كان فيها، في افغانستان.

• تقصد باكستان وليس أفغانستان، فالباكستان تأسست عام 1947 .

هوفمان: نعم الباكستان. لقد سبق كتابه هذا، أنه قام بإلقاء سلسلة من المحاضرات عبر الاذاعة. تم جمع هذه المحاضرات ونشرها تحت عنوان (هذا قانوننا ومقالات أخرى)، وهو آخر كتاب صدر له بعد وفاته. لقد كان أسد قلقاً جداً عندما رأى أن الباكستان تسير في الاتجاه الخطأ، وتتحول إلى مجرد دولة ، كما هي الآن، ذات مظاهر اسلامية لكنها في الحقيقة ليست دولة اسلامية. لقد تأسست الباكستان على أساس أنها دولة اسلامية، لكنها ليست كذلك لأن مؤسسها محمد علي جناح (1876-1948) لم يكن مسلماً حقيقياً.

• لقد تعلم جناح في الغرب حيث درس القانون في بريطانيا.

هوفمان: لقد كان بريطانياً أكثر مما كان مسلماً.

• هل تعتقد أن أسد أراد المزاوجة بين الديمقراطية الغربية والاسلام، أي أنه أراد بناء دولة ذات مضمون ديمقراطي واطار اسلامي. وهذا واضح في كتابه (أسس الدولة والحكومة في الاسلام)؟

هوفمان: لقد تحدثت مع أسد. لقد كان محبطاً من تطور الأوضاع في العالم الاسلامي منذ أن اعتنق الاسلام عام 1926? لأن رؤيته كانت تتوقع أن الاتحاد السوفييتي سينهار، كما أن أمريكا ستنهار، ويصبح الاسلام مقبولاً كخيار جديد. فلم يشاهد تلك الرؤية تتحقق، ولكن ربما أصابه اليأس بسبب ما حدث في الباكستان خاصة. أنا فهمته، ولكنه كان يعتقد أن الطريق نحو بلد اسلامي حقيقي يمكن أن يكون عبر استقرار الديمقراطية، لأن قليل من الناس يريدون الاسلام، وكانوا من العسكريين. كما أن السياسيين (الباكستانيين) قد تلقوا تعليماً وتدريباً بريطانيين، وهم يمنعون وصول الاسلام. لقد اعتقد أنه لو كانت هناك ديمقراطية في الباكستان، فالناس سيفرضون الاسلام.

• ولكنه أسد اقترح دستوراً تضمن أفكاراً تقليدية مثلاً، اعتبر غير المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية. ربما يعود هذا الموقف إلى خبرات شخصية. إن أسد ينتمي في الأصل إلى خلفية غير اسلامية، يهودية. ومن خلال هذا الموقف المتشدد تجاه غير المسلمين، يريد أسد تفادي أي اتهام يتعلق بأصله اليهودي. فهو يبدو تقليدياً عندما يدعو إلى تمييز غير المسلمين في الدولة الاسلامية. هل تعتقد أنه كان يسعى للتنصل من أصله اليهودي كي يبدو مسلماً مخلصاً من خلال موقف أصولي متشدد تجاه غير المسلمين؟

هوفمان: مثلنا جميعاً، كان يتغير من وقت إلى آخر. وهناك أشياء أخرى وردت في كتابه الأول الذي كتبه بالألمانية ولم يترجم أبداً، ويدعى (الشرق غير الرومانسي Unromantic Orient).

المسلمون والحضارة الغربية

• هل تؤيد دعوة المفكر المسلم محمد أسد بعدم تقليد الحضارة الغربية، ويجب أن تحافظوا على إسلامكم؟

هوفمان: نعم، هذا صحيح. أنا ناقد رئيسي للحضارة الأوربية كما هي. أعتقد أنها في أزمة عميقة مغطاة بالازدهار الاقتصادي. ولكن عندما ترى ما يحدث للعائلة، الادمان على المخدرات، اختزال المجتمع، تلاشي القيم، ستتأكد أن هذه الحضارة ستتدمر.

• إذن أنت تعتقد أن الحضارة الغربية فشلت في جلب السعادة للمجتمع؟

هوفمان: ولذلك ينمو الاسلام، لأن هناك أناس كثيرون يدركون أن الإسلام يمثل القيم الأمريكية القديمة… قيم الثورة الأمريكية وقيم الدستور الأمريكي. ولذلك يقول المسلمون لهم: نحن لن نجلب لكم شيئاً جديداً، بل شيئاً قديماً.

 

الغرب وعداء الاسلام 

- باعتبارك مفكر مسلم ، تعرضت للهجوم من قبل وسائل الاعلام الغربية سواء في المانيا أو في أوربا. لقد اتهمت بمختلف الاتهامات. هل تعتقد أن ادانة الاسلام صارت جزءاً من العقلية الأوربية؟ كيف يمكنك تفسير ظاهرة وجود الاسلام بين الأوربيين في هذا الزمن؟

هوفمان:  دعني أفرق بين أمريكا وأوربا. انا متفائل جداً تجاه مستقبل الاسلام في أمريكا للأسباب التالية (جرى الحوار قبل أحداث 11 أيلول 2001 بحوالي أربعين يوماً):

            •           لم يكن لدى الأمريكيين أي شعور بالخوف من الاسلام لأن الدولة العثمانية لم تسعى لفتح نيويورك، بينما الألمان يعتبرون الأتراك تهديداً لعدة قرون، ولأنهم ، أي الأتراك، قد حاولوا فتح فيينا على الأقل. لأن الاسلام بالنسبة لنا نحن الأوربيين هو دين الأتراك، والأتراك أعداؤنا، حتى أن القرآن كان يسمى بكتاب الأتراك المقدس.

            •           المسلمون الذين هاجروا إلى أمريكا جاءوا من مختلف بلدان العالم الاسلامي . فلا توجد أقلية مهيمنة كما في أوربا حيث تجد الأتراك في ألمانيا وهولندا، والقادمين من شمال أفريقيا في فرنسا، والباكستانيين والهنود في بريطانيا.  الشعور العنصري في أمريكا لا يترافق مع العداء للإسلام . في ألمانيا هناك شعور ضد الأتراك لأنه يوجد كثير منهم في هذا البلد بالاضافة إلى كونهم مسلمين، فهم يأخذون عملك.

      أما في امريكا فالمسلون ينتمون لجميع بلدان العالم الاسلامي، ولم يأتوا كعمال غير مهرة كما هو الحال في اوربا. لقد جاءوا طلاباً ثم بقوا. والنتيجة لا توجد في امريكا ديانة لها أتباع ذوي مستوى أكاديمي عالي مثل المسلمين. فمن بين كل خمسة أطباء في أمريكا، هناك طبيب مسلم. يوجد في سانتا كلارا في كاليفورنيا حوالي (700) عالم كومبيوتر، كلهم مسلمون. أما في أوربا فالحال تختلف كثيراً. 

3- لقد تم تأسيس أمريكا على مبدأ التعددية الدينية. فهناك الكثير من الأديان لا يمكن عدها. أما في أوربا فهي ذات ديانة واحدة. في اسبانيا لا تجد غير الكاثوليك. في السويد يوجد بروتستانت فقط. في اليونان يوجد أرثوذكس يونانيين فقط. لذلك صارت لديهم صدمة عندما أصبح الاسلام الديانة الثانية في أوربا، لكن في أمريكا لا توجد صدمة. يضاف إلى ذلك هناك أعداد غفيرة من المسلمين الأمريكيين كالسود الأمريكيين أو الأفرو-أمريكان. من الخطأ الفظيع سياسياً أن تقول للمسلم الأمريكي الأسود: لماذا لا ترجع إلى غانا التي جئت منها؟ أو التي جاء منها اجدادك؟ فهذا مستحيل، في حين يمكنك أن تقول ذلك للتركي: لماذا لا تعود إلى بلدك؟

 

   لهذه الأسباب يحظى الاسلام في امريكا على حظ أوفر عدا أنه في أمريكا هناك منظمة اعلامية عنيفة مهيمنة. ما يحدث في فلسطين، بالطبع يؤثر على موقف الاعلام من المسلمين.

لقد اعتاد الأوربيون أن يعتبروا الاسلام شيئاً فولكلوريا، ولكنهم تحققوا بأن المسلمين لم يأتوا للاستقرار فقط بل انهم يطالبون بحقوقهم، يريدون أن يشاركوا في الحكومة، إذن الموضوع مختلف. وقد رأينا ردود أفعال عنيفة من قبل الأصوليين المسيحيين. لقد استلمت تهديدات هاتفية ورسائل تهديد بالفاكس من بعض هؤلاء الناس في ألمانيا. كما قاموا بمهاجمة بعض المساجد. 

فيما يتعلق بسؤالك، صحيح أن غالبية الغربيين –ألمان وفرنسيين وانكليز وأمريكان- الذين يعتنقون الاسلام ، وعلى الرغم من الأحكام المسبقة الكثيرة ضد النساء المسلمات، فإن عدد النساء أكثر من الرجال الذين يهتدون إلى الاسلام.

            •           ولكننا ما زلنا نشهد اعتناق الرجال للإسلام.

هوفمان:  بالطبع.

            •           من أجل تفسير ظاهرة اعتناق الغربيين للإسلام، أعتقد أن النظام الغربي لا يزود الناس بأية معرف روحية. فالمجتمع صار علمانياً بالكامل، والدين وبضمنه الأخلاق والجوانب الروحية، لم يعد لها أي دور في المجتمع . وهؤلاء الناس لديهم حاجات روحية، ويبحثون عن ديانة جديدة أو فلسفة جديدة تشبع هذه الحاجات. لقد انخرط كثير من الغربيين في الديانة البوذية أو هاري كرشنا أو الصوفية. بالمناسبة ليس من الضروري أن نربط الصوفية بالاسلام، إذ يوجد حركات وطرق صوفية غير اسلامية. هذا ما يفسر أن قسماً كبيراً من المسلمين الأوربيين جاءوا للإسلام عن طريق الطرق الصوفية. فهذا بعد واحد من حاجات الأوربيين .

هوفمان:  باستطاعة المرء القول أنه في أي وقت هناك نفس الحجم من التدين في المجتمع. الكنائس في أوربا قد تجاوزها الاصلاح. الكاثوليكية في طريقها نحو الانهيار، وستلحق بها البروتستانتية. ولكن في نفس الوقت هناك أناس ينضمون للبوذية أو الطوائف الجديدة. فكلما طردت الدين من الباب عاد إليك من النافذة. بالطبع هناك مظاهر لهذه الحاجات الروحية مثلاً ازدهار التنجيم، أو أحزاب الخضر. أعتقد أن هذه فرصتنا، إذ لا يمكن أن نأمل في اعتناق ملحد ولكن يمكن أن نتأمل توجيه الناس، الذين يؤمنون بشيء مثل الله، نحو الاسلام. هناك كثير من الناس يشاهدون للبضائع المعروضة حولهم، ويتحدثون مع جميع أنواع الأفكار والمعتقدات، ثم يفكرون قبل أن ينتهوا إلى واحد منها، قد يأتون إلى الاسلام في آخر محطة .

من الشائن مثلاً أن يرفض المستشار الألماني أثناء أدائه اليمين الدستوري  وضع يده على الكتاب المقدس، لأنه ملحد. مثل هذا الشخص عندما يتحدث للشعب الألماني في عيد الميلاد، فهو لا يكذب، لأنه لا يؤمن بالمسيح.

 

اصلاح العالم الاسلامي

            •           في كتابك (الاسلام عام 2000) اقترحت خطة لانقاذ العالم الاسلامي من التأخر الحضاري، تناولت التعليم و التكنولوجيا والمرأة وحقوق الانسان والدولة والاقتصاد والاتصالات. ولكن ذكرت العناوين فقط دول عرض تفاصيل هذه الخطة. أريد أن أسمع خطة مفكر أوربي مسلم.

هوفمان:  لو كتبت تفاصيل الخطة لصارت كتاباً ضخماً، وقد تكون قابلة للتطبيق في دولة أو اثنتين فقط. الأنظمة التعليمية مختلفة في الدول الاسلامية.  فنظام التعليم في الهند مثلاً يختلف عن أندونيسيا. كذلك لا يمكن أن تكون الحلول واحدة ومتشابهة. فهي أمر يشبه الدعوة للاسلام، عليك أن تمارس الدعوة لكل منطقة محلياً وليس مركزياً، أي لكل بيئة ظروفها وشروطها وطبيعة شعبها.

سأعطيك مثالاً، عندما نحصل على كتاب مطبوع في الهند، نرميه عادة في سلة المهملات، لأن الورق رديء والطباعة أسوء، والانكليزية رديئة، ومليئة بالأخطاء الاملائية.  ولكن لو جاءك كتاب من دولة غربية، فستجده على العكس. وليس هاماً محتوى الكتاب بقدر ما يهمنا المقارنة في جودة الطباعة والتغليف . هكذا يجب أن نغلف رسالتنا حسب الجمهور الذي نخاطبه. وذلك يعني أن تعرف تأثير العمل الاعلامي في كل مجتمع من أجل أن تسير دعوتك بشكل أفضل. ولذلك لا يمكننا اعطاء توصيات محددة لتطبيقها في كل العالم الاسلامي.

اعتناق الغربيين للاسلام

            •           هناك رأي سائد لتفسير ظاهرة اعتناق الغربيين للاسلام يرى أن النظام الغربي لا يمنح أفراده أية معاني روحية، لأن المجتمع صار علمانياً بالكامل، ولم يعد للدين والقضايا الروحية والأخلاقية أي دور في هذا المجتمع. وهؤلاء الناس لديهم حاجات روحية ويبحثون عن ديانة جديدة أو فلسفة حياة جديدة تشبع هذه الحاجات لديهم. وهناك الكثير من الأوربيين يعتنقون البوذية أو الهندوسية أو هاري كرشنا والصوفية. ولا حاجة للقول أن الصوفية ليست بالضرورة صوفية إسلامية ، فهناك صوفيون غير مسلمين. ذلك ما يفسر دخول كثير من الأوربيين الاسلام عبر بوابة التصوف الاسلامي. وهذا بعد واحد من حاجات الأوربيين . كيف تعلل ظاهرة اعتناق الاسلام من قبل الغربيين رغم الدعاية المضادة للاسلام في الاعلام الغربي؟

   هوفمان:  يمكن القول بأنه في كل زمان يوجد نسبة معينة من التدين في المجتمع. لقد فقدت الكنائس في أوربا دورها، الكاثوليكية في طريقها للتهاوي، والبروتستانتية في طريقها للزوال كمؤسسة. ولكن في نفس الوقت تجد أناساً يعتنقون البوذية أو (جماعات العصر الحديث) وغيرها. وهذه حقيقة، فإذا طردت الدين من الباب تسرب إليك من الشباك. وهي قضية تعبر عن وجود حاجة ماسة للدين في النفس البشرية. ولسنا نأمل أن نحول ملحداً للإسلام ولكن نأمل أن نقود الناس للإيمان بشيء كالله والاسلام. يوجد أناس قليلون يتطلعون فيما حولهم من أنواع الحركات ثم يقررون وضع نهاية لهذه التأملات، ثم يأتون للإسلام كآخر محطة في مسيرتهم الفكرية.

            •           هل تعتقد أن مناقشات المسلمين الأوربيين وخاصة المفكرين منهم، يمكن أن تضيف شيئاً ما، مثلاً نظرة جديدة أو نقد جديد للفكر الاسلامي؟ وهل يمكن أن يخدم هذا التوجه الإسلام وأن يكون لهم دور مؤثر في المستقبل؟

هوفمان:  أعتقد ذلك، خذ مثلاً حقيقة أنه لا يوجد ملحد في العالم العربي يصرح علناً بأنه ملحد. خلال عشر سنوات التقيت بواحد هو بوجدرة (1941- ) ? وهو كاتب جزائري يعلن بأنه ملحد. في اوربا القضية معكوسة: الناس هنا يخجلون من تصريحهم بأنهم يؤمنون بالله لأنه من المقبول أن تكون علمانياً بمعنى ملحد. ولذلك علينا التدرب على التعامل مع أناس غير مؤمنين.

لقد تعلمت في المدرسة بأن عمانوئيل كانت (1724- 1804) ? الفيلسوف الألماني الشهير في القرن الثامن عشر، أثبت أنه لا يوجد برهان  على وجود الله ، لا برهان تاريخي ولا برهان وجودي ولا عرضي.في الحقيقة لا أحداً من هذه البراهين يحسم القضية. من أجل تقييم الأوربيين الذين تعلموا ذلك في المدرسة لا يمكننا القول: هذا هو كتاب الله، لأنهم سيقولون كذا وكذا. يمكنك أن تؤثر على شخص بكتاب الله إذا كان على الأقل يؤمن بالله. هذا يعني أنك بحاجة إلى تبدأ معه من الصفر. يجب أن تناقشه بطريقة مختلفة. الآن تعلمنا كيف نتعامل مع العلمانيين والملحدين، وهذه هي فائدتنا كمسلمين أوربيين.

            •           لأنكم كمسلمين أوربيين تتحدثون لغاتهم، تعرفون عقليتهم وثقافتهم. كما أنكم تستخدمون مناهجهم وأدواتهم في النقاش والحوار. فأنتم تستطيعون مخاطبة الأوربيين بشكل أفضل من بقية المسلمين. من خلال خبرتك، هل سبق وأن دعوت أوربياً للإسلام فأسلم؟

هوفمان:   لقد حدث ذلك عدة مرات ولكنني أعرف من كتب لي بأنه اعتنق الاسلام بعد أن قرأ كتبي.

 


مشاهدات 882
أضيف 2023/01/03 - 4:41 PM
آخر تحديث 2024/07/14 - 6:37 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير