واحدة من اخطائي
عبدالله الجنابي
عندما كنت مدرساً قبل حوالي ثلاثين سنة ، في مدرسة ريفية ، وكنت للتو انهيتُ الخدمة العسكرية المقيتة ، دخلت للصف الثالث المتوسط ، ناديت على الطالب ذي الطول الفارع ، وطلبت منه احضار الواجب البيتي ، وقف الطالب صامتاً كانه هبل العظيم ، كررت طلبي فلم يرد ، قلت له ؛
( اليوم السبت وكان عندك الجمعة لتحضير الواجب وهو بسيط ولكنك لم تفعل مع ان جميع الطلاب قد احضروا الواجب ثم انك لا ترد لانك لا تملك عذراً وسبباً ، ولهذا فانت صامت لاترد وهذا اهمال وعناد ولذلك حق عليك العقاب فافتح يديك …. )
ضربتُ يدي الطالب العملاق ، لكنه كان صامداً لا ينظر الي، مما سبب زيادة في غضبي لوقاحة الطالب ، استمررتُ في ضربهِ وبشدة على يديهِ ….
فجأة ، يبدو ان الضرب اذاه وآلمهُ وقرر في نفسه عمل رد فعل عنيف ، فامسك العصا التي كنتُ اضربه بها واخذها من يدي وكسرها ثم هرب من الصف وهو يصيح غاضبا ؛
هذا شاربي مو عليَّ اذا اداوم بعد …
هنا وقفتُ مندهشاً من ردة فعله العنيفة ، فنهض مراقب الصف وقال ؛
استاذ ممكن اكول السبب ؟
قلت اي سبب ؟
قال ؛ استاذ تره عمار الخميس تزوج يعني اول امس …
قلت ؛ شنوووووو ؟ وليش ما گال ؟
قال ؛ استاذ مو يستحي يكول لان هو نسى يعزمك على عرسه وفشله منك والله يا استاذ ، وكل احنه خجلانين منك …
لم اصادف في حياتي موقفا صعبا كهذا . ما هذه الاخلاق الرائعة ؟ اي حماقة مني ؟ ما الحل ؟ لقد ارتكبتُ غلطة لا تغتفر . لماذا هذا الغرور مني ؟ لعن الله الواجب ولعن الله ابو الانكليزي . لماذا التكبر ؟ واصلا لماذا العقاب البدني ؟ اهذا اسلوب تربية ؟ هذه مدرسة ليس جيشاً …
بقيت دقائق خجلاً صامتاً محتاراً افكر في اعتذار …
طلبت من مراقب الصف ان يخرج فوراً من الصف ويذهب الى الطالب المتزوج ، ليخبره اني قادم للاعتذار منه ويساله هل يقبل اعتذاري ام يحتاج الامر الى ( مشية ) وفصل ؟
ذهب المراقبُ ثم عاد واذا بالعريس معه …
وقبل ان انطق بكلمة واحدة وقف امامي مطرقاً ورايت والله ان الدمعة تتلألأُ في عينيه قال امام الصف ؛
استاذ انا اسف ، بس والله اليوم اذا ما تجي تتغده يمي ازعل منك وبعد ما اداوم ؟
لم انطق بكلمة ، احتضنتهُ وبقوة وكانه طفلي الذي انتظره …
قلتُ ؛ وليدي هل سمعتَ قول الشاعر ؛
وَلَو قَدَرتُ عَلى الإِتيانِ جِئتُكُمُ
سَعياً عَلى الوَجهِ أَو مَشياً عَلى الرَأسِ
قال استغفر الله استاذ انت مثل ابوي .
تغديت معه …
وفي اليوم التالي جلبت له هدية الزواج
واصبح هو واهله بمثابة اهلي في تلك القرية ….
لقد علمني تلميذي درساً لن انساه ما حييت ومنذ ذلك اليوم وجميع طلبتي.
{ عن مجموعة واتساب