الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السياسي وزهرة اللوتس

بواسطة azzaman

السياسي وزهرة اللوتس

عبد الكريم يحيى الزيباري

 

السياسي والمُنجِّم يصْدُقان وإنْ كذبا، ويكذبان وإنْ صَدَقا، يشتهران بين الناس بالكذب والتدليس والمتاجرة بقضية: فلسطين، حقوق الإنسان، الأقليات المظلومة، النازحين، السجناء الأبرياء، إطعام السجناء، التلويح بملفات فساد مزعومة، وعود الإصلاح... الخ.

السياسي كالمُنجِّم مسكين ينسى دوماً أنَّ الزمن سَيُكذِّبُ نبوءته، لكنه لا يخاف، ما دامَ في حماية شعبٍ جاهل يُدمِنُ النسيان: القائد العام سنة 2000 الراعي في بادية الجزيرة سيتمكن قريباً من رؤية الطائرة الشبح وإسقاطها! نائب رئيس الوزراء: سنة (2010) بعد ثلاث سنوات سَنُصَدِّرُ الكهرباء إلى دول الجوار! رئيس الحكومة: بغداد أأمن وأجمل مدينة في الشرق الأوسط! لن نسمحَ لأحدٍ بسرقة قوت الشعب ولا حتى عبدالهادي الجلبي! لن نسمحَ لأحدٍ أنْ يتلاعب بأسعار الدولار! لن نسمحَ لدولةٍ جارة ولا غير جارة أنْ تنتهكَ السيادة! كلُّ الأحزاب وقاداتها خرجوا يتظاهرون ضد الفساد والفاسدين!المحاربون القُدامى الذين نجوا من حرب العشرة سنوات على أبواب طروادة، عادوا إلى أيثاكا، أقاموا في القصر وأضفوا الشرعية على الفوضى التي تسببوا بها وأجبروا السيدة بينيلوبي على اختيار زوجٍ منهم، تليماك على التل ينتظر عودة الأب المفقود، البطل الحكيم أوديسيوس، تليماك يشدُّ الرِّحال بحثاً عن القصة المفـــــقودة للأب المفقود، كم تكررت هذه القصة؟ يتنكَّر أوديسيوس بزيِّ شحَّاذ، وتعرفه مربيته العجوز من النَّدبة على ساقه، نَدبةُ الذاكرة!

اكثر قسوة

حـروب الخليج قـد انتهــتْ، مـَن ذا الذي انتصـر؟ لا أحد يتذكر، يجب أنْ يكون الأمريكان قد انتصروا، لأنَّهم الأقوى والأغنى والأكثر قسوة، وحدهم في هذا العالم، لا يهمهم ثَمن النصر، لا يهمهم ملايين الأطفال ماتت في الحصار، آلاف اليتامى حول إشارات المرور في كلِّ مدينة، آلاف الأرامل ينتظرون يداً تطعمهم في أيام ذات مَسغبة. أوديسيوس لم يعد يتذكَّر حقَّ العودة، يجب أنْ يبذلَ جهداً أكبر، ويُفكّر متمعِّناً في العودة، الخطورة كل الخطورة تكمن في النسيان. روى هوميروس أنَّ أوّل أماكن التوقف الرّئيسة في رحلة أوديسيوس كانت بين آكلي اللوتس، ومدمني الكريستال. خطر فقدان الذاكرة يتحقق بعد تناول أول ثمرة لوتس حُلوة وأول تماس مع حياة الرفاهية وشِلَّة المنافقين المنتفعين. خطر النسيان كان يجب أنْ يظلَّ للنهاية، لكنه هوميروس جعله بداية رحلة يوليسيس، لتظلَّ الأوديسة شقيقة الإلياذة، بدأها نهاية السنة العاشرة للحرب عوضا عن حدوثه في نهايتها. أوديسيوس قاسى كثيراً وفقد أصدقاءه على بوابات طروادة وفي طريق العودة فقد الذاكرة تماماً، لم يعد يتذكر إيثاكا التي تنتظره، والأسوأ أنه لن يتمكن من استخلاص العبر من معاناته، أو أية فائدة مما اختبره خلال سنواته الماضية.تكرر خطر النسيان في الأناشيد 9-12 من الأوديسة، دعوة آكلي اللوتس، مخدرات سيرسي، ترنيمة الجنيات، نسيان أوديسيوس لكننا لم ننسَ فمثل هذا العـدد من القتـلى لا يمـكن لغـير العراقيين أن يقـدّمـوه! عــزيزي السياسي ضحاياك أنتَ لا ضحايا الحروب، ضحايا نواياك السيئة وحُبِّكَ للسلطة والكرسي وحياة الرفاهية، وعدم وعيك بخطر النسيان الذي يتحقق عند كل دورة.


مشاهدات 1155
أضيف 2022/12/28 - 5:04 PM
آخر تحديث 2024/11/21 - 12:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 262 الشهر 9386 الكلي 10052530
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير