الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التنمية بين فلسفة الفكر الإقتصادي والقرار السياسي

بواسطة azzaman

التنمية بين فلسفة الفكر الإقتصادي والقرار السياسي

 فارس البياتي

 

أن المشاكل الاقتصادية في بلداننا قد تجتمع أو ينفرد بها بلد دون آخر، وأقصد ببلداننا العربية، وما يعنينا هنا العراق ..وذلك على وفق ما تفرزه البيئة السياسية من آثار وأبعاد، فيما يتعلق بالمشكلة طبعا من جوانبها المختلفة ومنها انخفاض الإنتاجية وعدم أو ضعف كفاءتها، وهو مما يؤدي إلى انخفاض الدخل القومي، أو وجود ثروات غير مستغلة، أو سوء توزيع الدخل، وكذلك الزيادة الكبيرة في السكان وضعف التكنولوجيا الصناعية ومشكلة البطالة، وسيادة الثقافات غير الاقتصادية، وما يتبع ذلك وينتج عنه من تخلف في البنيان الاجتماعي كارتفاع نسبة الامية وانخفاض مستوى التعليم أو التهرب منه وتأخر المرأة وظاهرة عمل الأطفال، وغير ذلك من الإفرازات.

وهنا تبرز لنا قضية خطيرة وذات أهمية كبيرة، وهي ما سميتها مشكلة (المنبع) وهي بالتحديد ضعف الفلسفة أو ضعف الفكر الاقتصادي أو أحيانا غيابه، وسميتها المنبع لأنها المصدر الأول للتفكير بالمشكلة والحلول فما هي انعكاسات هذا الضعف او الغياب؟ من واقع الحال أن هذا الإطار الفلسفي هو الذي يتحكم في الإطار القانوني والتشريعي للدولة، ويضع أصول السياسات الاقتصادية وقواعدها، وكذلك إنعكاسات مخاطر عدم الاستقرار السياسي، والميل إلى تغليب الذاتية أو الفؤية الضيقة على المصلحة الوطنية، كما أن ضعف التشريعات الاقتصاية النافذة، وغياب القرار الاقتصادي، ووجود حالة من التخوف والتحسب في العلاقات بين القطاع العام والقطاع الخاص وكذلك الإستثمارات الخارجية، فضلاً عن أحيانا التأثيرات الخارجية كما في الديون السيادية أو العلاقات الاقتصادية المتحكمة.

كما إن عدم التشديد على تنمية القطاعات الإستراتيجية، ومنها الصناعات التحويلية ومجموعة الشركات والتعاون الإقليمي، وضعف استخدام أسلوب البحث العلمي المعاصر من أجل التطوير وحل المشكلات بإسلوب علمي محكم هذه الإنعكاسات تبنى فلسفيا داخل البيئة السياسية الذي له أثره البالغ في عملية التنمية الاقتصادية.كل الذي ذكرته شكَّل جانباً من الأسباب التي تمهد لنا كباحثين الأرضية الواسعة التي يمكن الانطلاق منها إلى بحث ودراسة هذه القضية، والتوصل إلى الحلول المناسبة لها، وعلينا هنا أن نعود الى الترابط الجدلي بين المشاكل والحلول وبين جملة من الفرضيات لها علاقة وطيدة بفلسفة الدولة السياسية والفكر الاقتصادي والتشريعات والقوانين التي أطرت تلك الفلسفات أو الأفكار، كذلك علاقة القرار السياسي والمحددات السياسية بنتائج المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وهي  المؤشرات التي تصدر بتقارير من جهات التخطيط والاحصاء المتخصصة، وعلاقة التنمية بالتخطيط والبحث العلمي للدولة، في الحقيقة هذه المؤشرات التي يجب أن تقرأ قراة نقدية تحليلية كل فترة مناسبة مثلا شهريا فصليا نصف سنوي سنوي، والقراءة بالتأكيد من خبراء الإختصاص مع تحليل النتائج من محاور محددة..

إذن علينا أن نتفق إننا أمام، مشاكل، ومحددات، ومعوقات، وسلبيات، ولكل من هذه المؤشرات فعلتها ونتائجها وإنعكاساتها أبينها لحضراتكم كما حددتها نظرية سوات في نصفها السلبي لدينا (ضعف وتهديدات) فماذا نحتاج للوصول الى حلول بالتأكيد ما يقابل الضعف والتهديدات نحتاج الى (القوة والفرص)، وأن أهم ما يمكن أن نحتاجها كأدوات قبل المباشرة بالبناء وهي نتائج إجابات المحاور والتساؤلات في التدقيق والإثبات او النفي  عما توجد علاقة بين فلسفة الفكر الاقتصادي الذي تتبناه الدولة وبين التشريعات الإدارية والسياسية المؤثرة في عملية التنمية الاقتصادية، وكذلك بين البيئة السياسية المتمثلة بالسلطة صاحبة القرار وبين قراءة نتائج المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وبين القرار السياسي ومشاريع التكتلات الإقليمية والعالمية والاسواق المشتركة وانعكاساتها على الاقتصاد العراقي، وبين البيئة السياسية وحركة الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال في العراق، وبين التخطيط والبحث العلمي للدولة، وبين سيادة الثقافات غير الاقتصادية وتخلف البنيان الاجتماعي وبين التخلف الاقتصادي وصعوبات التنمية الاقتصادية، بين الأمن السياسي والقومي للدولة وعملية التنمية الاقتصادية، إذن باخصتار لدينا مهمة أعادة تفحص ومراجعة ووضع دراسات علمية حول المؤشرات المذكورة، وحقيقة هذه محاور مفتوحة للفكر الاقتصادي كما هي نقاط بوصلة للوصول الى نتائج أيجابية عن طريق إيجاد أسباب القوة في الاقتصاد وما علينا كمتخصصين الا دراسة الحالات ووضع أجوبة علمية صريحة وحقيقية أزاء كل تساؤل تحقيقا للأهداف.  أثر فلسفة الدولة وتشريعاتها الإدارية والقانونية في التنمية الاقتصادية.وجدت من المناسب أن أوضح هذه الآثار من خلال نفي أو إثبات العلاقة بين فلسفة الدولة وفكرها الاقتصادي وتأثير ذلك في عمليات التنمية الاقتصادية، لذا أدعو أن تكون لنا وقفة جادة في معرفة الأسباب الحقيقة وراء الإخفاقات الاقتصادية الكبيرة والاقتناع بموقع الدولة المتخلفة أو بطيئة التقدم رغم توفر أسباب الرقي الاقتصادي ومنها الموارد المتاحة التي يمكن توظيفها سواء كانت طبيعية أو رأسمال الفكري للموارد البشرية، فأصبح من أسس الإنطلاق نحو تفكير سليم هو الوقوف على فلسفة السلطة والتي تمثل واحدة من أهم القضايا التي شغلت المختصين بوصفها أحد بل أهم مداخل الإصلاح والتغيير، وكما هو معروف أن الوصول إلى السلطة وسيلة معلنة للإصلاح والعدل، لكن المشكلة تكون أكثر جلية عند التطبيق.

برامج سياسية

أرى أن حالة عدم الاستقرار السياسي له الأثر الكبير ضعفا للاقتصاد مع كيفية استلام السلطة وكيفية المحافظة على النظام السياسي بالكمية والنوعية التي تجعل السلطة أحيانا تضحي بكثير من البرامج الاقتصادية والاجتماعية من أجل إنجاح برامجها السياسية والمحافظة على النظام السياسي، وهذه الخاصية ليست في العراق فحسب، لكنها لدينا تشكل ظاهرة وأن لكل ذلك تأثيراً مباشراً في الحياة الاقتصادية.

 من هذه الإنعكاسات اتجاه السياسات الاقتصادية نحو المحدودية والحلول الآنية دون دراسة آثار المستقبل الاقتصادي، كما يشير واقع الحال الذي ترسمه معاهدات واتفاقيات ضعيفة ولم يكن فيها الفكر الاقتصادي الوطني حاضرا في صياغتها، وضعف الصادرات بسبب ضعف الإنتاج الصناعي والزراعي والخدم، وعدم إمكانية أو ضعف الدولة من التعامل مع السوق الدولية بندية مقتدرة وكذلك تمكين الشركات من النفاذ في الأسواق بحُرية وأن تتحكم في الاقتصاد دون الترابط بين أهدافها والأهداف الاقتصادية الوطنية.

برامج علمية

ومن الآثار والإنعكاسات أيضا ضعف وجود خطط أو برامج علمية شاملة تقوم على أساس مسح لقدرات العراق رغم وجود المؤتمرات والإستراتيجيات الاقتصادية التي تتحدث عن ذلك إلاّ أنها أسيرة النظرة الضيقة غير المتخصص، كما هناك حاجة البلد الى الإقتراب من التنافس مما هو عليه من التكامل العربي الذي يدعو إلى التوزيع الصناعي والزراعي على الدول العربية لتعظيم النفع العام مع مراعاة إعطاء الأهمية اللازمة للدول التي لا تمتلك المقومات الضرورية من مواجهة حركة التقدم الاقتصادي.إن كثيراً مما يعدُّه السياسيون في السلطة أيدلوجيات اقتصادية أو نظريات تنموية أو برامج تطويرية هي في الواقع تعبر بالضرورة عن الفكر السياسي الذي تنطلق منه هذه النظريات، وغالباً ما تكون أقنعة تختفي خلفها فلسفة الفكر السياسي. مما زاد المشاكل الاقتصادية هو أن السياسي يمتلك القرار النهائي فيما يفكر به الاقتصادي، ولما كان أصحاب القرار هؤلاء هم الذين يقررون قيمة النقد وأسعار المواد واستغلال الطاقة ومعالجة مشاكل البطالة والتضخم،بل وحتى طبع العملة، وهم يجهلون نتائج قراراتهم، وهذا يؤدي الى إن أصحاب رؤوس الأموال لا يفضلون الاستثمار في بلدانهم، ويفضلون الاستثمار الخارجي الثابت، أو الاستثمار في الأسهم أو المشاريع السريعة الانتهاء، خوفاً من نتائج تلك الأعمال، بعد ماتم عرضه بكل علمية ووضوح أرى إننا نعاني من مشكلة وصول ما أسميه (نقطة المخاطرة العليا في الاقتصاد) فلا بد من أيقاف تدحرج كرة الثلج الاقتصادية لتكون هناك وقفة جدية في إعادة التفكير..نحن بحاجة الى أن تقرأ السلطة نتائج النشاطات بمساعدة الخبراء لتكون على بينة من موقفها الاقتصادي وما يحتاج من قرارات سياسية وأقتصادية أو تشريعات من قوانين وأنظمة وبرامج تكاملية لمعالجة كل إنحراف سلبي وتقوية المؤشرات الأيجابية. ،من ذلك نرى ضرورة أن يسير الأصلاح السياسي مع الإصلاح الاقتصادي بذات الوقت بحيث تكون مراحل بناء الديمقراطية متلازمة مع مراحل بناء الاقتصاد الحر.ويمكن القول ايضا أن مفهوم "إدارة شؤون الدولة والمجتمع" بما فيها الشؤون الاقتصادية على أنه أبعد من مفهوم الإدارة العامة للدولة ، ليشمل على فعالية المؤسسات المتعلقة بإدارة شؤون الدولة والمجتمع، ولكن يركز أيضًا على (القيم) التي تحتويها تلك المؤسسات، وعليه لا يمكن لأي بلد أن يتحرك بخطى أكيدة نحو التنمية إذا كان يرزخ تحت أعباء الفوضى وعدم التنظيم،، فالأمن وحده لا يكفي للوصول الى التنمية المنشودة رغم أهميته وأولوياته، وبذات الوقت لا يمكن أن تكون ممرات الحلول الاقتصادية ضيقة مرتبطة إرتباطا عاليا بمعدلات ومقاييس التشتت في الجانب الأمني، لا يمكن ان تكون كذلك أبدا، فالزمن كفيل بتوسيع الفجوة بيننا وبين العالم، بل أرى العكس تماما ،فأن القوة الاقتصادية للمجتمع تقلل وتمنع الفوضى الأمنية، حتى تذهب أبعد من ذلك حيث التطوير والتحسين في الفكر الاجتماعي والثقافي للمجتمع.، وعلينا البدأ من الواقع السلبي والتشتت لإ يجاد أسباب البناء وفرص الحلول.

الذي اريد أن أبينه بتركيز عالي، نحن لا زلنا ننظر الى الدولة بمنظار تقليدي وهذا يخالف الواقع، حيث أن دور الدولة وما طرأ عليه من تغييرات حتمية عالمية، قد تحولت من فاعل رئيسي ومركزي في تخطيط وصنع السياسات العامة، ، لتصبح اليوم الشريك الأول، ولكن بين شركاء عدة، في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، كذلك من مهامها الرئيسية إستيعاب معاصرة العالم وثورة الاتصالات والثورة الصناعية الرابعة، وانفتاح العالم على بعضه وممارسة وظائفها غير التقليدية على النحو الذي يستوعب المؤثرات الخارجية بما يفيد مجتمعنا بأنتقائية مدروسة ومحسوسة. فالتساؤل المنطقي هو لماذا القطاع الخاص أكثر معاصرة من القطاع العام! مع ان الدولة صاحبة الإمكانيات والقرار! ومع ظهور نظريات في الاقتصاديات المعاصرة ممكنة التطبيق لتحل محل القيم التقليدية مثل التمكين والتركيز على النتائج والبرامجيات والرقميات، كما هناك فرصة لتأسيس هيكل اقتصادي متكامل ينبثق منه مجلس إستشاري اقتصادي عالي المستوى، والتوجه للتركيز على معيار الإنجاز وتطوير المهارات بشكل متنوع خاصة التقنية والالكترونية المساهمة في تنفيذ المخططات المقررة بإستخدام الوسائل العلمية والتطبيقية في معالجة المشاكل الاقتصادية  كأحد المفاصل المهمة لمشروع المجلس الإستشاري الاقتصادي الوطني،

أرى أيضا أن لا نبقى ننتظر حكومة جديدة او وزير نأمل أن يضع حلولا لمشاكلنا الاقتصادية بل يجب أن يكون ذلك خارج هذه الإستراتيجيات الى ستراتيجيات قومية كما هو الدستور تنبثق من فلسفة الدولة، وما الحكومات والوزراء الا أمناء لتنفيذ أو إستكمال تنفيذ الخطط ومواجهة المتغيرات، انما يمكن القول يجب ان تكون هناك حكومة اقتصادية في الظل، والآ سوف نبقى في دوامة التغيير في المخرجات الى مدى بعيد، كما ان الفجوة بيننا والعالم أصبحت اكثر وسعا.كل ما يهمنا الآن أن نتقدم الى نقطة محددة أولا لنقف في هذه النقطة ونبدأ في اعادة التفكير في المشكلة اسبابا وحلولا، قال الله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ? وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ? كَذَ?لِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (الرعد،17) فعندما تكون النوايا متجهة لبناء وطن تبغي وجهه الكريم وفاء لمًا تعلمناه منه في حب هذه الارض الطيبة فعلينا أن لا ننتظر، وما كان من توجيهات خلال اليومين الماضيين من رأس الحكومة ان هناك نوايا ومساعي للبناء، واقول لنكن على دراية وثقة ان البناء ممكن في لحظة القرار، ولا يحتاج منا الا الارادة، فالجوانب الفنية جميعها ممكنة الإسناد والدعم بصدق وايمان في إمكانية التغيير نحو الأفضل، واذا كان لاجل شيءٍ، فلان هذا الشعب يستحق الافضل دائما بين شعوب العالم .. فاذا كان السؤال هل يمكن ان نعيد بناء الدولة، الجواب المباشر نعم (طبعا ليس كما كانت فهذا خطا علمي شائع) انما كما يجب ان تكون..

فكل مقومات البناء متوفرة في العراق ولا نحتاج الا ان نبدأ، وفذ هذا السياق لا بد للتنويه أن الاقتصاد من اكثر المواضيع مرونة في فكر الانسان وهو ليس قالبا جامدا ولا نظرية واحدة ولا عشرات الاسترتيجيات بل الاف منها، وليس لها بديل واحد بل مئات البدائل، فلماذا نجد انفسنا في زاوية مظلمة واحدة ؟

هناك النور فلا يجب ان نخاف من نور في داخلنا كما هو خوفنا من العتمة، نحن خلقنا هكذا شعب ولود للمفكرين والمعمرين والبناة، وهذا ليس خروج من العلمية في المعالجات الاقتصادية الى الأدبية والمعنوية ، فالشكوى لا تحل المشكلة، ولا بدا بل هذا واحد ممبد من وجود ما يحفزنا وأن نفكر بإتجاه البناء الذي هو كفيل بإزالة المشاكل والعواقب والسلبيات والمحددات والتحديات، وأخيرا ما يجب ان يقال ان نحافظ على اقتصادنا وما تبقى منه ونعمل على تنميته ونموه وكل المخرجات الأخرى تأتي من بعده بشكل إنسيابي.

 

{ ضمن مداخلة في الندوة الاقتصادية  لجامعة البصرة الأمين العام للرابطة الدولية للباحث العلمي ورئيس المركز البريطاني للدراسات والبحث العلمي- أبوظبي


مشاهدات 1068
أضيف 2022/11/16 - 5:13 PM
آخر تحديث 2024/11/22 - 12:38 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 180 الشهر 9304 الكلي 10052448
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير