هل إنقرض تأثير الصراع بين البداوة والحضارة في المشهد العراقي ؟
عادل سعد
شغلتني الى حد ما ، الرؤية التي طرحها صديقي الدكتور قاسم حسين صالح حين اشار الى انقراض تأثير نظرية الدكتور علي الوردي بشأن الصراع بين البداوة والحضارة ،ولتوضيح بدقة ماطرحه صالح اشير الى أن النص الذي نقل عنه جاء ضمن محاضرة له ألقاها في اكاديمية بغداد لأعداد القادة ، ونشرت صحيفة الزمان تغطية لها في عددها الصادر يوم الرابع من شهر كانون الاول الجاري .
يقول الدكتور قاسم حسين صالح ان نظرية الوردي لم تعد صالحة للتطبيق اذ كانت تحليلاته اي الوردي تستند الى اراء ابن خلدون ، ويمضي صالح في شهادته التحليلية عازيا ما يحصل الان في المشهد العراقي الى الصراع على السلطة ليس الا ،مستعينا بمتغيرات الاعوام السبعين الماضية التي مرت على العراق .
لا شك ان من حق الدكتور قاسم حسين صالح ان يجتهد في هذا الشان ،ولكن لا يمكن اعتبار ما اجتهده حقيقة واقعية اذا اخذنا بجملة من المؤشرات ، أن النزعة البدوية وعقلية الخيمة مازالت تتحكم في المشهد العراقي العام من منطلق فرضية انتقال قيم المكان بكل ماتحتوي المناطقية من نفوذ في العقل العراقي العام اينما حل . وكذلك من محتوى الشعور بفقر الموقع اذا لم يسند نفسه الى الرصيد الاجتماعي الذي تمثله العشائر .
جذور عشائرية
من استناجات توصلت اليها في مقالة تحليلية نشرتها في الزمان عن مخاطر الورم العشائري الذي يضرب العراق الان ،نستطيع ان نجده في الولاءات التي تتحكم في العقلية السياسية ذات الجذور العشائرية ، ونستطيع الاستدلال عليه من حاشيات المريدين والحمايات الامنية ومكاتب ادارة هذا السياسي او ذاك ، ومن احتفالات عشائرية بالنسخ الحكومية ، وبمعنى مضاف ، ان البداوة مازالت تجيد التسلل الى المشهد المدني العام ،وانها بخصومة بنيوية مع المشهد الذي يروج للمدنية بشخوص الكفاءة والخبرة والتمرس في صناعة فرص التنمية البشرية المستدامة .
ومن الاسنتاجات الاخرى ، العيوب التي فرضت سطوتها على متطلبات المصالحة الوطنية ، لقد اشرت الى ذلك بمستندات تحليلية ضمن بحث القيته من على منصة كلية الاداب في الجامعة الامريكية في بيروت عام 2018 , كيف ان السطوة العشائرية ،أي النزعة البدوية لم تتخل عن حشريتها في صياغة عيوب هذه المصالحة ، ثم اين يضع الدكتور قاسم حسين صالح اجتهاده في هذا الشأن امام الذاكرة الساذجة في قياسات الاهمية التي مازالت تتضمنها عبارة (من يا عمام انت )لقياس مقدار الاهمية الاعتبارية وتظل عبارة و(النعم) تجول في المداولات على صعيد الاشخاص والمجموعات .
بخلاصة تحليلية اولى ، لا شكوك لدي على وجهة نظر صديقي الدكتور قاسم حسين صالح في تفسير ما يجري على انه صراع على السلطة ،لكنه صراع مدعوم بتغذية الصراع بين المدنية والبداوة وهذا المشهد من الصراع مازال له المزيد من الجسور العابرة في اغلب الدول العربية بنسب مفضوحة ، ولك ان تتعمق في المتابعة لتجد ان الصراع بين شرق ليبيا وغربها هو بتمويل عشائري ، وان قبيلة القذافذة تطالب بالثار من مقتل القذافي ،وكذلك الحال في الصراع الدائر في السودان واشده بين عشائر المسيرة والدنگة ،وكذلك ما يجري في دافور، وفي جنوب السودان . ان الذي مازال يتحكم في المشهد العام هو المؤشر الذي شخّصه الوردي ،واذا كان الصراع الحالي ذات طبيعة سياسية دينية من خلال الاحزاب برايات مذهبية ،فإن مفرداته لا ينقصها مناكدة البداوة للحضارة، وفي الوقائع ان البعض يستخدم احدث السيارات ذات الدفع الرباعي دون ان يتخلى عن متلازمة ادارة محرك المركبة بعقلية ركوب الجمال والخيول والبغال والحمير . بل مازالت فكرة الاستثابة من القربى العشاىرية هي السائدة ، ولي ان اضيف من رصيدي المعرفي الميداني عن العديد من الشخصيات السياسية مازالوا يضعون رايات عشائرهم الى جانب العلم العراقي في اي مشهدٍ يريدون تسويقه .بخلاصة تحليلية ثانية ، ان العشوائيات السكانية التي مازالت تتوالد اميبياً ضمن هياكل مدن الصفيح هي ذات نسيجٍ عشائري خالص ، والبعض اسس مضايف ودواوين له داخل تلك المدن وفي مقدمتها بغداد التي تشهد بين الحين والاخر تأثيثاً لظاهرة (العطوة )و(السانية) و(الفصول) و(الجلوة ) بحضور سياسين والا لماذا تم الاقدام قضائيا على تجريم (الدكة العشائرية) ،ولماذا نشهد بين الحين والاخر عبارة (مطلوب عشائريا)على بعض الممتلكات ، أليس في ذلك اعترافاً واضحاً بحضور السطوة العشائرية ، او قل البدوية في المشهد المدني العام ، لدي عينات باليد ان كفاءات علمية اكاديمية زائفة انتزعت جاهاً لها بالسطوة العشائرية . وان أزيز الرصاص الذي أٌطلق بتوزير حقيبتي التربية والصناعة لم يغادر بعد اسماع العراقيين.
بخلاصة تحليلية ثالثة ، الورم العشائري ، بل قٌلّ البدوي مازال يصول محركاً للعقل السياسي ، لكنه ليس الوحيد .