أرقام ومؤشّرات مرعبة
سهاد طالباني
في العراق، تعرضت الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الانسان للعديد من التحديات، بما في ذلك عدم الاستقرار السياسي، والصراع الطائفي، والتدخل الأجنبي.
وعلى الرغم من هذه التحديات، أظهر الشعب العراقي باستمرار الرغبة في بناء مجتمع أكثر ديمقراطية وعدالة. ومع ذلك يصر البعض على ان ديمقراطية العراق تسير في الاتجاه الصحيح من خلال حصر مفهوم الديمقراطية بالانتخابات، وهو مفهوم خاطئ ومنقوص. فأي نظام لا يمكن ان يكون ديمقراطيا اذا لم تتوافر فيه عوامل أساسية كحرية التعبير والصحافة، وسيادة القانون بحيث يتم تطبيقه على الجميع على قدم المساواة وبحيادية، وكذلك فصل السلطات، واستقلال القضاء، وتعزيز الحريات المدنية، بحيث تعمل هذه العناصر معًا لإنشاء نظام حكم يكون مسؤولاً أمام الشعب ويسمح بالحل السلمي للخلافات من خلال الحوار والنقاش.
نسبة مشاركة
ومع ذلك وبنظرة سريعة الى الحالة الانتخابية فسنرى ان الانتخابات الأخيرة التي جرت العام الماضي هي الأقل من حيث نسبة المشاركة مقارنة مع الانتخابات التي سبقتها، كما صاحبها جدل كبير من مختلف الأطراف فيما يتعلق بالتمثيل الحقيقي لإرادة الناخبين والتمثيل السياسي لفئات المجتمع العراقي.
فعلى سبيل المثال أشار تقرير منظمة فريدوم هاوس للعام 2022 ان الانتخابات في العراق منتظمة وتنافسية، وأن المجموعات الحزبية والدينية والعرقية المختلفة في البلاد بشكل عام تحظى بتمثيل في النظام السياسي.
ومع ذلك، فإن الحكم الديمقراطي يتعرض للإعاقة بسبب الفساد، والمجموعات المسلحة التي تعمل خارج حدود القانون، وضعف المؤسسات الرسمية.
ووصف التقرير العراق بأنه بلد لا يتمتع بالحرية، وحصل العراق وفقا لتقييم المنظمة على 29 نقطة فقط من اصل 100 ممكنة، توزعت النقاط التي حصل عليها العراق بين الحريات السياسية التي حصلت على 16 نقطة من 40 ممكنه، والحريات المدنية التي حصلت على 13 نقطة من 60 ممكنة. لطالما كان الفساد تحديا كبيرا للديمقراطية وسيادة القانون، فالفساد الذي يتخذ أشكالاً عديدة منها إساءة استخدام السلطة، واختلاس الأموال العامة، وتقديم خدمات غير مشروعة، يقوض ثقة المواطنين في حكومتهم ومؤسساتهم، ويؤدي بالضرورة الى انعدام المساءلة والشفافية. وللفساد أيضًا تأثير مباشر على حقوق الإنسان، حيث يؤدي إلى التوزيع غير المتكافئ للموارد والفرص، فعلى سبيل المثال، فان إساءة استخدام الأموال العامة وسرقتها يمنع توفير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية للمواطنين، ويكون له تأثير سلبي بشكل خاص على المجتمعات المهمشة والضعيفة. ووفقًا لمؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، احتل العراق المرتبة 169 من أصل 180 دولة في عام 2021 مما يشير إلى ارتفاع مستوى الفساد في البلاد.
وينعكس ذلك في مؤشرات الحوكمة للبنك الدولي، والتي تظهر أن العراق لديه درجة منخفضة في السيطرة على الفساد، حيث يعتقد 31 فقط من المواطنين أن الحكومات فعالة أو جادة في مكافحة الفساد.
فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فمن المعروف ان العراق قد صادق على عدد من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة. ومع ذلك، تعرضت الحكومات لانتقادات لفشلها في التنفيذ الكامل لهذه الالتزامات، لا سيما في مجالات حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع.
قوة مميتة
ووفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية لعام 2021 حول العراق، فقد واصلت قوات الأمن استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك القوة المميتة، ضد المتظاهرين، وارتكبت انتهاكات وتجاوزات أخرى لحقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب، وظل التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة للمعتقلين أمرًا شائعًا وواسع الانتشار.
وقد أكد تقرير هيومن رايتس ووتش العالمي لعام 2021 على ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية، إضافة الى تسليط الضوء على قضايا حقوقية أخرى ومنها التمييز ضد النساء والفتيات، بما في ذلك ما يتعلق بالتعليم والتوظيف والحصول على الرعاية الصحية، والتمييز ضد الأقليات. كما أشار التقرير إلى أن نظام العدالة الجنائية العراقي غير فعال إلى حد كبير وأن مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان غالباً ما يفلتون من العقاب.
أما فيما يتعلق بحرية الصحافة والاعلام فقد احتل العراق المرتبة 172 من أصل 180 دولة في عام 2022 في مؤشر حرية الصحافة العالمي، مما يشير إلى ارتفاع مستوى الرقابة والضغط على وسائل الإعلام، وينعكس هذا أيضا في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي يظهر أن العراق لديه درجة منخفضة من الحرية الشخصية والاختيار، حيث يشعر 44 فقط من المواطنين أن لديهم الحرية في اتخاذ خياراتهم الخاصة في الحياة.
هذه المؤشرات والأرقام الصادرة عن جهات دولية مهمة تؤكد ما وصل اليه العراقيون بأن ديمقراطيتنا لا تسير في الطريق الصحيح، وان هناك حاجة ملحة لإحداث إصلاحات جذرية وهيكلية حقيقية وليست مجرد حبر على ورق، والا فإننا نسير وبسرعة كبيرة نحو الفوضى، وهذه الفوضى لن تكون خلاقة كما قد يصفها البعض، لكنها ستكون فوضى مدمرة لا تبقي ولا تذر.