تجربة الآلوسي مع الرسم تبدأ من الطفولة: اللوحة تأتي بعد مخاض فكري وروحي حتى ينضج موضوعها
بغداد - عادل الميالي
سماح راجح الآلوسي تشكيلية مثابرة ، تفردت عبر أعمالها بأسلوب خاص، حيث أثبتت حضورا فاعلا في المشهد التشكيلي العراقي، فهي لا ترتكن إلى مدرسة أو مذهب فني معين، بل أنتجت مسيرتها الفنية تحولات كبيرة بما ينسجم وطبيعة الفكرة المطروحة، مستندة في ذلك إلى ثقافتها الفكرية والبصرية . تجربة الالوسي تبدو مختلفة عن غيرها من الفنانات الأخريات ، حيث تبدو الجرأة في قول الذات، ويتهشم المفهوم التصويري للرسم، فلوحاتها تجسد حالة الصراع الذي تخوضه المرأة ، إذ تبدو المرأة في لوحاتها كجسد بلا ملامح، جسد مسلوب ومنتهك وفاقد لملامحه، جسد يقدم ملامح غير حقيقية للمرأة، إنه تعبيرعن الألم والشعور بالاغتراب . أجادت في تسخير اللون وبدرجاته لإضفاء عنصر الضوء والظل معا ، جاعلة منه بؤرة حاملة لكل عناصر التكوين الأخرى ، مع إضفاء مساحة كافية لكل عناصر الإدراك لدي المتلقي للوصول إلي جماليات متعددة في العمل.
والالوسي خريجة كلية الفنون الجميلة عام 1999 فرع الرسم ، حازت على العديد من الشهادات التقديرية ، لها عدة مشاركات في معارض التي إقامتها وزارة الثقافة . في هذه المساحة نسلط الضوء على تجربتها الفنية ، فكان هذا الحوار :
{ متى رأيت الفن يشكل هاجسا لك ؟
- الفن كأي حاسة وولادة .. تخلق معنا .. ومن الصغر تولد معي إن كان وراثة أو هبة من الله .. شعرت به من الطفولة كفرحة طفل بأمر يمارسه ، اخطط وألون وأرى بكل شيء حولي ، برؤية مختلفة أشكل بمخيلتي من الحجر صوره ومن الوردة لون ومن السماء والنجوم أشكال وهيئات من اصغر الأشياء لأكبرها أبصرها بجمال وأشكلها وأحاكيها كالقصص فكانت سعادة ، هي الورقة البيضاء وأقلام التلوين ، ومن السنوات الأولى بدأت وصنعت وأنتجت.
{ لديك مؤهل أكاديمي في مجال الرسم ، فهل وظفت ذلك لصالح تجربتك الفنية ؟
- تخرجت من كلية الفنون الجميلة سنة 1999 قسم فنون تشكيلية فرع الرسم ، وهذا حلم الطفولة والصبا ، وبعد إكمال الدراسة الإعدادية كنت مصرة على دخول التخصص الذي أحبه ، كون الدراسة تصقل الموهبة وتنميها وتخدمها وتبلورها نحو نتاج رصين مدروس، فالفن حاله حال كل مجالات الحياة يحتاج إلى أسس وبنى تحية وعطاء واستمرارية.
{ تجربتك الفنية ، هل هي على وتيرة واحدة أم مرت بمراحل متعددة ؟
- تجربتي بدأت من الطفولة ، واستمرت دون توقف ، فكان لي عطاء بجميع المراحل الدراسية ، إذ وثقت فني في المدارس التي درست فيها ، وفي الجامعة ، وعلى الصعيد الشخصي والعائلي والأهل والمعارف ، كان لي نتاج وقع وجوده في كل الأماكن والأزمنة .
{ ما الخطاب البصري الذي تودين الإفصاح عنه ؟
- أخاطب بأعمالي القضايا الإنسانية جمعاء بحلوها ومرها ، أعكس الجمال الإنساني المفروض أن يكون كي يعم السلام والخير ، ابحث عن حلول ورسائل، أناقش ظاهرة أو عادات أو حالات أجسدها كقصة أو سيناريو له بداية ونهاية هادفة ، كالشاعر عندما يلقي قصيدته لها موضوعها وقضيتها ووصفها بميزان وقوافي تسند الأبيات الشعرية معنى وهدفا ونحوا وبلاغة.
{ وماذا عن طقوس الرسم لديك ؟
- طقوس الرسم تبدأ بهدوء فكري ونفسي وانتفاضة لقضية والهام ومن ثم خلوة و وأدوات الرسم وفريم أبيض وموسيقى وخطاب بين أثنين الجسد واللوحة.
{ من أين تبدأ اللوحة عندك ؟
- اللوحة تأتي بعد مخاض فكري وروحي قد يستغرق أيام أو أشهر ، إذ لا تتقيد بزمن وتمر بمراحل كثيرة ، لكن الأهم نضج موضوعها، فإنشائها على السطح الأبيض ومن بعدها تكملة مراحلها تتخللها إضافة أو حذف إلى أن تنتهي بتجسيد موضوعها بأجمل وجه.
محور مهم
{ للمرأة حضور طاغي في لوحاتك ، لماذا ؟
- المرأة لها حضور في أعمالي كونها محور مهم وفعال بالمجتمع ، فهي الأم والأخت والزوجة والأبنة والحبيبة والصديقة .. هي المعلمة والمهندسة والطبيبة والقانونية والفنانة والكثير من الصفات العاملة بالمجتمع ، فمنذ الخليقة ولعصرنا هذا كانت هي الأولى بالتضحيات ، غير أنه إنسانيا أو دينيا أو دستوريا لم تكن منصفة مع المرأة مهما ارتقت وعلا شأنها ، فالقوة تغلب والذكورية المجتمعية هي المنتصرة ، لذا أسلط في أعمالي قوى المرأة وأهميتها في المجتمع تارة ، وتارة أخرى أناقش ما يجور عليها من قوانين حياتية إنسانية وأفكار ظلمت حقوقها.
{ في بعض لوحاتك، يبدو الجسد وعبر التكوينات والألوان يصارع قيودا يحاول الفكاك منها، فهل الجسد يعني أحلام محرمة أو ممنوعة ؟
- كل منا له أحلام وخيال نعيشها بمخيلاتنا نسعى جاهدين لتحقيقها، وفي لوحاتي الأجساد التي ارسمها هي نقطة الوصل والوصول لتحقيق تلك الأمنيات هادفة بها تغير واقع وحال والفك من قيود فرضت ، والغريب بالأمر فرضها البشر متناقضة حد التصديق أنها الصحيحة ، لكن للأسف هي بعيدة كل البعد عن الارتقاء بالإنسانية.
{ أي عناصر الفن أقرب إلى نفسك .. اللون أم التخطيط أو لعبة الضوء والظل الخالدة ؟
- بعيدا عن كل عناصر اللوحة ومراحل تكوينها كالتخطيط واللون ، لكن الظل والضوء أهم العناصر والأقرب لي ، وأرى فيهما جمالية العمل الفني حيث تحتاج لذكاء وتكنيك واحترافية عالية أشبهها كالملح في الطعام عند فقده ينعدم المذاق ، مضافا لأهميتهما في التحكم باللون وتدرجاته ، مع مهارة الفنان بدمج وإخراج تلك التدرجات لإنتاج عمل جميل ومتكامل.
{ هل توظفين اللون لإعطاء معاني خاصة أو تأثيرات معينة ؟
- الألوان بالنسبة لي هي الإخراج النهائي للعمل ، فكل لون أضعه إن كان بالخلفية أو عبر الفكرة له مقاصد ودلالات وإيحاءات تخدم الموضوع ومضمونه .. لا يهمني كثرة الألوان بقدر أهمية وجودها ، فقد تقتصر بعض لوحاتي على لونين أو ثلاثة والبعض الأخر كل الألوان ، فألاهم متى وكيف ولماذا ؟ ثلاث صيغ استفهام تسبق فرشاتي والواني.
{ هل أنت مع عصيان آداب اللوحة ؟
- أنا مع حرية الفنان بطرح موضوعاته ، على أن تكون ذات جمالية لا تخدش النظر ، فآداب اللوحة لها معاني ومفاهيم وأشكال كثيرة ، فقد تكون بالفكرة التي ترسم أو ما يستخدم من إضافات ، وحتى الخامات والألوان أشبهها بالأفلام السينمائية عند مشاهدة أحداثها من الوهلة الأولى تدهشك وتسرك وتشدك لاكتمالها أو قد تأثر بك سلبيا وتزعج ذائقتك بمضمونها وإخراجها ، من هنا فالعمل الفني يناديك من بين عشرات الأعمال لجماليته من حيث التكنيك واللون والمضمون.
{ هل الحداثة أعطت الفنان حرية الإبداع ؟
- بالتأكيد الحداثة أعطت حرية للفنان من حيث المعالجات والتكنيكات وطرح الألوان ، إذ فتحت أبواب التنوع والإبداع المتفرد لكل فنان ، حيث ترى أحيانا عدة مدارس فنية تجمع بعمل واحد ، وأحيانا إعمال بحد ذاتها تشكل مدرسة فنية جديدة لا تشبه سابقتها.