كتاب ما قل ودل .. فن الإختصار
محسن حسن الموسوي
يمكن الجزم ، بأن الكتاب الذي يستحق من القارئ العناية والتقدير ، والذي يمكن أن يحظى بإجماع الآراء على قيمته وعظيم فائدته ، هو ذلك الكتاب الذي يزيد المعرفة وينمي القوة على الإدراك والعمل وتذوق الحياة وفهمها . وتنطبق هذه القاعدة على ( موسوعة العراق الجديد ) لسيدنا الحجة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر ، حفظه الله ، وعلى مافيها من موضوعات مهمة ومتنوعة ، فهي كالمائدة الكاملة ، والحافلة بأشهى الغذاء الفكري وأروعه وأكثره قيمة وفائدة .
دراسة متكاملة
إن كتابات سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، مدرسة متكاملة وحافلة بأقدر الأساتيذ والمربين ، وقد كتبها عبر سنوات طويلة من المعاناة التي عاشها مع الواقع العراقي بعد التحول الكبير ، فكتب هذه الموسوعة وهو يعايش التحولات الكبيرة في السياسة والأخلاق والآداب وما في المجتمع من أحداث مثيرة ، موضحاً ومعلِّقاً ومرشداً ومعلّما ، عبر هذه السنوات فأنتج هذه الموسوعة والتي وصلت اجزاؤها إلى الجزء الحادي والثمانين ، وهو الذي بين أيدينا الآن وقد كان عنوانه : ( ما قلّ ودلّ ) .
إن مباحث هذه الموسوعة تصلح أن تكون كُتُباً مختصرة ، وإذا كان هذا الجزء يحمل (34) مقالاً ، فأنت تقرأ( 34) كتاباً مختصراً مفيداً ، ويغنيك عن مطالعة كتاب كامل في هذا الموضوع. وذلك فن الاختصار الذي لايملكه سوى البارعين من العلماء والكُتّاب حيث يُقدِّمون أشهى أطباق الفكر والمعلومات بأقل عدد من الصفحات ، وتكفيك وتغنيك عن قراءة عشرات أو مئات الصفحات في الموضوع ذاته.وليس الاختصار وحده ، ولكن الأسلوب المتفرد الذي امتازت به كتابات سيدنا العلاّمة الصدر ، حفظه الله ، تجعلك متشوِّقاً لمتابعة هذه السلسلة العذبة من المقالات الصدرية المتميزة بعنفوانها الإسلامي والأخلاقي والتربوي الواضح والرصين. ولايمكن للمنصف أن يمرَّ مرور الكرام على هذه الكتابات دون يعجب بها ، فقد أعاد لنا سيدنا الحجة الصدر، حفظه الله ، بهذه الكتابات العصر الذهبي للنثر العربي منذ عبد الحميد الكاتب مروراً بعبد الله بن المقفع إلى الجاحظ والتوحيدي وعمالقة الكُتّاب العرب في تأريخ أدبنا العربي العتيد.
وفي هذا الجزء من الموسوعة مقالات تجبرك على إعادة قراءتها لجمالية أسلوبها وطرحها ؛ ومنها مقال( حسبي رضاك ) : ( ماذا تريد ؟ وإلى مَ تطمح؟ وماهي أقصى غاياتك؟ ) هذه ثلاث أسئلة وُجِهَت الى ثلاث فئات : العُزّاب والطلاّب والغارقين في الديون ، ( وكُلُّ ما ذُكِرَ من الأجوبة مصطبغ بصبغة شخصية خاصة ) .
( أما الرسالي الواعي فهو لا يُقدّم على رضا الله سبحانه شيئاً ولسان حاله يقول :
حسبي رضاكَ بِكلِّ وَجْهٍ أمكنا
فامننْ عليَّ بذاك مِنْ قَبْلِ الفَنا
وإذا رضيتَ فتلكَ غايةُ رغبتي
والقصدُ كُلُّ القصدِ بل كُلُّ المُنى )
وفي مقال آخر يتحدث سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، عن المباهلة ؛ ( ماذا تعرف عن المباهلة؟ )
( لقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته الذين طهّرهم الله تطهيراً دون غيرهم مِن المسلمين ، في دلالة واضحة على عظمة شأنهم عند الله ، وكونهم حجج الله على الخلق ، وكشف الله بهم وبأنوارهم عن الإسلام الغُمّة وتم النصر المؤزر والحمد لله رب العالمين وتمت المباهلة في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام عام ( 10) هج ) إن هذه الأحداث والذكريات الإسلامية الباذخة الجمال تعيد للأمة عزّتها وعنفوانها لتعود الى المنبع الصافي والموقف الحكيم والكبير في حياتها ولا تتراجع عن مسيرتها الظافرة رغم شدّة تكالب الأعداء عليها من كل جانب.
ضرورة قرآنية
قراءة التأريخ القديم والحديث ضرورة قرآنية( قل سيروا في الأرض ) ، وليست قراءة التأريخ للتسلية وقضاء الوقت ، كلا ، إن تاريخنا القريب والبعيد مليءٌ بالعِبَر التي لايمكن عبورها بسهولة ، ويكتب سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، عن ( ثنائية السُكّر والحنظل ) ، فيتحدث في ذلك عن فترة حكم عبد الرحمن عارف وكيفية الانقلاب عليه وخيانة أقرب مساعديه وقادة جيشه؛
( يمكننا أن نعتبر الفترة التي حكم فيها عبد الرحمن عارف العراقَ بمثابة السُكّر ، وهذا ما ساعد العفالقة على الإطاحة به والاستيلاء على السلطة . حين تم تحذير عبد الرحمن عارف من ( ابراهيم الداود ) الذي أناط به قيادة قوات الحرس الجمهوري استدعاه وأبدى تخوفه مما سمعه عنه فأبدى ( الداود) إخلاصه وأكده بأغلظ الايمان .
وفوجئ عبد الرحمن عارف يوم 17 تموز عام 1968 باقتحام القصر الجمهوري ووصول الانقلابيين إليه بعد أن تواطأ معهم إبراهيم الداود...
لقد أدّى به طمعه إلى الخسارة الفادحة في الدنيا قبل الآخرة ) .
و يُبدي دائما سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله، حنقه على الكتل السياسية التي ما أوفت بالعهد ، وفي كل جزء من هذه الموسوعة يعلن عدم رضاه عن الكثير من التصرفات السيئة ؛ ( كاتب السطور عبّر في بَيْتَين قالهما عن رأيه الصريح في ما أحدثته الأحزاب السياسية في العراق الجديد من الاحتكام إلى المحاصصات والمعادلات التي ما أنزل الله بها من سلطان ومن الانشغال بمصالحهم الخاصة عن تقديم الخدمات المطلوبة للشعب وأصبح الشعب كبشاً للفداء في صراعات واختلافات تتواصل حلقاتُها وتشتد دون انقطاع . قال :
أحترمُ الأحزابَ لكننّي
ا كنتُ مِن طاقمها يَوْما
يحتدمُ الصراعُ ما بينهم
ونكتوي بنارهِ دَوْما
ولازال سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، ينثر دُرراً في هذا الجزء من الموسوعة الباذخة ، في مقالاته الشيّقة التي تزيد رصيد القارئ في مختلف قضايا الفكر والأدب والدين والسياسة ، وتلك كانت أنموذجا مما في هذا الجزء ، حيث يختمه بالإعلان عن إعادة فتح( مجلس الصدر ) الشهري ؛ أعاد مجلس الصدر فتح أبوابه وشرع بعقد جلساته بعد التوقف بسبب جائحة( كورونا ) ووفق البرنامج المعدّ له ، فقد عقد جلسته الشهرية مساء الثلاثاء 2022/10/25 بحضور حشد من العلماء وأساتذة الجامعة والأدباء ورواد المجالس الثقافية )
حفظ الله سيدنا الحجة الصدر ، وبارك الله فيه وله وعليه.
{ الكتاب : ما قَلَّ وَدَلَّ
تأليف: سماحة العلامة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر ، حفظه الله .
الطبعة : الأولى 1443هج / 2022م
عدد الصفحات : 120 صفحة