من حميد سعيد إلى سعدي يوسف
شكر حاجم الصالحي
منذ أيام الصبا نما شغفي بقراءة قصائده الباذخة , وزاد تعلقي بشخصه من خلال لقاءاتي به في مجلة التراث الشعبي في أواخر سبعينات القرن الغابر , وكان لي شرف تقديمه في أمسية رائعة في مدينتي الحلة عبر نشاط دور الثقافة الجماهيرية , وما زلت أتذكر صحبه الكرام فوزي كريم وفاضل الربيعي , ودارت بنا الأيام دورتها الغرائبية , فغادر الشاعر سعدي يوسف الوطن مع من غادره من مبدعي العراق وانقطع التواصل بيننا لأسباب كثيرة , لست في معرض تفصيلها الان , أما أبن مدينتي الشاعر حميد سعيد فكنت اراه في خميسنات الحلة , وقد تعلمت في حضرته الكثير , المحّبة والتسامح والتواضع كانت من صفاته النادرة , وكان لي شرف عرض كتاب (( الثورة في شعر حميد سعيد )) لمؤلفه الراحل الناقد محمود جابر عباس في عدد مجلة الطليعة الادبية الاول الصادرعام1975م,وتوثقت اواصر المحبة بيننا, ولم يبخل علي وعلى اقراني بالرعاية والدعم, ونفترق قسرا بعد عام 2003م اذ اختار مغتربه الاردني, واخترت العزلة احتجاجاً على ما جرى, وظل الهاتف وسيلتنا للحوار رغم كل شيء ,وذات مساء وصلتني قصيدته "من حميد سعيد الى سعدي يوسف" والاثنان ممن أحبهم انسانية وشعراً ,قرأت القصيدة بلهفة العاشق ورأيت فيها ما يطيب خاطري ويزيح عن صدري بعض هموم الزمن العاثر, حميد سعيد وسعدي يوسف شاعران كبيران مختلفان معتقداً وسلوكاً ولهما حضور عربي وعالمي مشهود, أعدت قراءة القصيدة ثلاث مرات, فوجدت فيها تطابقها في الرؤية والمعنى, لم لا والهم الانساني هو ما يجمع هذه القامات الشامخة القصيدة عتب عراقي شفيف تطفح بالمحبة, رغم الاختلاف, وفيها استذكار ممض لزمن الاخضر بن يوسف وما عانى منه صاحبه ابن يوسف من عنت وجور ربما اراد حميد سعيد الانسان الشاعر أن يعيد صياغة المفاهيم برؤية ثاقبة من بين التباسات الحاضر وتداعياته الموجعة, فكانت قصيدته محاولة مبدع كبير ازاح عن صدورنا مراراتها وألهمنا بعض الصبر, وسيتضح ذلك كله من خلال:
بانتظارك تجمع حمدان اشجارها
والصبايا الجميلات والفتية الحالمين ..وانهارها
فلماذا تأخرت عنها؟
ومن حال بينكما فأكلت الغياب
التي شاركت العشيات في الفندق الجبلي
اغادرتما مدن الماء كي تحصدا علقم العواصف
هنا يستنهض الشاعر حميد سعيد كل شواهد الواقع الذي دمرته عواصف الزمن القاسي, والشاعر لايكف عن تذكير شاعره المخاطب بذلك الزهو الذي عاشه في بساتين ابي الخصيب وظلال نخيله الذي أحاله الغزاة الى رؤوس وجذوع خاوية ليس فيها ما يمت الى الحياة من نسب ورحم....
وأنا كقارئ منتج أرى ان شاعرنا الكبير حميد سعيد بتعلقه بأرضه وذكرياته أراد أن يحرض دواخل شاعرنا الكبير سعدي يوسف على التشبث القوي بجذوره العراقية وان لا يستسلم لعواصف الضغينة والنكوص :
لك في هذه البلاد .. بلاد
تعيدُ إليها القصيدة بعض الذي رُاح منها
الذين أقمنا لهم مدناً في الاناشيد
ما وجدوا وتراً صالحاً فأستبد النشاز بنا
سنحاول ان نتجاور ليلاً تعيث الضباع به
أنت حاولت ..
حاولت …
آهٍ وما اكثر الآهات التي تشعل الضمائر قبل الصدور جراء ما اقترف الطاعنون بالكراهية فأحالوا أيام العراق الى مناحات ونشازات بعد ان أقمنا لهم كل هذا الزهو يا شاعري .. ولكن لن يطول هذا الليل الذي تعبث به الضباع , وسيكون الأمل هادينا في إقتناص فرصة الخلاص من كل تلك الاوضار الشائنة :
هل أعاتبك الان
كيف ذهبت الى ما ذهبت إليه ؟
دعنا نعود الى زمن الأخضر بن يوسف
كنت رأيت .. رأينا .. تقاويم اخرى
بساتين حمدان تخرج من كل بيت إلينا
تشير الى وطن نتمناه
تدخلنا في حماه
وأخيراً لا بد من الاشارة الى ان هذه القصيدة (( من حميد سعيد الى سعدي يوسف)) تلخص محنة العراقي وهو بين فكي الضباع .. لكن الغد لن يكون إلا الى الأصلاء رغم أنف الزمن العاهر ...