نحو تحويل إعلانات مكافحة الإرهاب إلى أفعال
غيداء العلي
عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعاً خاصاً للجنة مكافحة الإرهاب التابعة له في الهند اواخر تشرين الأول في الهند.
والهند هي هدف للإرهاب عبر الحدود منذ منتصف الثمانينيات، عملت جاهدة منذ سنوات لحشد الدعم ضد الإرهاب من قبل المجتمع الدولي حيث اقترحت اعام 1986مسودة وثيقة لاتفاقية شاملة حول الإرهاب الدولي في الأمم المتحدة تجرم جميع أشكال الإرهاب الدولي وتحرم الإرهابيين ومموليهم وداعميهم من الحصول على الأموال والأسلحة والملاذ الآمن.
وتم دعم الاتفاقية الشاملة هذه حول الإرهاب الدولي بما في ذلك من قبل الولايات المتحدة ولكن لم يكن هناك تقدم ملموس خلال النصف قرن الماضي.
ويعود ذلك الى عدم وجود توافق في الآراء بشأن تعريف الإرهاب بحد ذاته، ومنذ ذلك الحين تطورت وجهات نظر العديد من الدول بشأن الإرهاب.
إن صعود (داعش) والتهديد الملحوظ من جماعة الإخوان المسلمين لدول الخليج الكبرى والهجمات على بنيتها التحتية النفطية من اليمن وقبول وانفتاح دول الخليج على اسرائيل، كل هذا يفسر التغيير في تحديد النظرة الصحيحة وتحديد هوية الإرهاب بالنسبة للعديد من الدول.
لا يمكن لأي عمل جماعي من قبل المجتمع الدولي بشأن الإرهاب أن يتطور إلا إذا لم يكن غارقًا تحت تأثير سياسات القوة والجغرافيا السياسية، ولكن لسوء الحظ فإن الطريقة التي شُنت بها الحرب على الإرهاب وأين وصلت اليوم كانت مثيرة للانقسام على الصعيد الدولي.
ابسط مثال على ذلك هي الحرب على العراق التي أشعلت الإرهاب الطائفي لعدة سنوات، وفي سوريا تم استخدام الإرهاب في النضال السياسي لإسقاط نظام الأسد حيث يُزعم أن بعض الجماعات الارهابية تحصل على دعم غربي.
كان ظهور داعش على الأراضي السورية ثم العراقية بمثابة ضربة قاصمة للحرب على الإرهاب في المنطقة، لأنها مكنت بشكل كبير من خلط الأوراق على الناس مما كان له تأثير كبير على الرأي العام.
فالاتهامات صارت تتوالى ولا تستثني أحد.
يد غريبة
تشتبه روسيا في وجود يد غربية في صعود داعش لزعزعة استقرارها في سوريا وربما استخدامها لإثارة عدم الاستقرار في شمال القوقاز، بالإضافة إلى ذلك تزعم وجود يد غربية في ظهور عناصر داعش في أفغانستان للضغط على روسيا عبر آسيا الوسطى.
عندما سلمت امريكا أفغانستان لحركة طالبان التي استخدمت الإرهاب لفرض قبضتها على البلاد بشكل تدريجي، تناقضت الولايات المتحدة هنا مع منطق حربها على الإرهاب، علاوة على ذلك فإن فشلها في معاقبة باكستان على الرغم من سجل الدولة المثبت في التحريض على الإرهاب ليس فقط ضد الهند ولكن ضد الولايات المتحدة نفسها خاصة عندما كانت باكستان تؤوي أسامة بن لادن وقيادة طالبان لسنوات، كل هذا يثير العديد من التساؤلات بما يخص موضوع الحرب على الإرهاب.
لقد احتلت باكستان بالفعل مرتين القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، لكن تم حذفها على الرغم من الحفاظ على دعمها لطالبان، وتمت إزالتها للمرة الثالــــــــثة في تـــــــــشرين الأول الماضي بعد اتخاذ خـــــــطوات ظاهرية منها لإنهاء غســـــــــل الأموال وتمويل الإرهاب، يأتي هذا في ظل تزايد التطرف في البلاد وقــــــــوة وسيطرة المتطرفين على الشارع وعدم قدرة المؤسسة السياسية على التعامل مع هذا التحدي والاعـــــــتقاد بأن التنظيمات الجهادية التي تتكامل جيدًا مع المجتمع سوف تتلاشى ولن يتم جمع الأموال من أجلها.
إن تصنيف إيران كدولة إرهابية مع تجنيب باكستان ذلك، والتحرك في الكونغرس الأمريكي لتصنيف روسيا كدولة إرهابية، كل هذا التباين في المواقف لا يمكن له إلا أن يعيق أي عمل دولي جماعي ضد الإرهاب.
من جهة اخرى يعاني سلوك الصين من العوامل الجيوسياسية وازدواجية المعايير بشأن الإرهاب، وعادة ما تتستر على باكستان بشأن صلاتها بطالبان والإرهاب وتثني على دورها في مكافحة الإرهاب، وتمنع محاولات تصنيف العديد من المواطنين الباكستانيين كإرهابيين عالميين من قبل لجنة الأمم المتحدة 1267كلما بادرت الهند بذلك، لكنها (أي الصين) متى ما شعرت بالقلق بشأن "إرهابيي" الأويغور" تتلقى الدعم من الأراضي الباكستانية، وهذا الامر يضاف الى باقي المواقف الدولية بشأن مكافحة الإرهاب.
سوء استخدام
الهند تشدد على أنه وبالرغم من قرارات الأمم المتحدة والآليات الأخرى لكن تهديد الإرهاب آخذ في الاتساع خاصة في آسيا وأفريقيا، كما ان سوء استخدام التقنيات الناشئة من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية أدى إلى ظهور تحديات جديدة للحكومات والهيئات التنظيمية، حيث أصبحت منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أدوات فعالة في مجموعة أدوات الجماعات الإرهابية إلى جانب استخدامها أنظمة جوية بدون طيار مقابل البنية التحتية الاستراتيجية والأصول التجارية.
تم التعبير عن كل هذه المخاوف بشكل مفصل في إعلان دلهي في 29تشرين الاول حول مكافحة استخدام التقنيات الجديدة والناشئة لأغراض إرهابية.
ختاماً فإن مثل هذا الإعلان يشجع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على التعاون في مكافحة الإرهاب، لا ان تبقى التصريحات الجيدة والخبرات تنبثق من منظومة الأمم المتحدة ولكن لا تترجم إلى أفعال.