وقد يُشكر الأعداء
حسين الصدر
-1-
اعتدنا أن نشهد زمجرة الغضب على من يخالفنا في الرأي والمسار فضلاً عمن لا نحسن الظن به ونعتبره من الأعداء .
وهذه هي الفورة العاطفية التي تُخرجنا عن الالتزام بالضوابط والمعايير الموضوعية والأخلاقية وتدفع بنا الى اختراق الخطوط الحمراء .
-2-
غير أنْ ذوي الحصافة والرزانة يأبون الوقوع فرائس لاندفاعاتهم العاطفية الفورية ، ولن يحيدوا عن التمسك بالثوابت الأخلاقية .
ومن هنا :
وجدنا بعضهم يسجّل تقديره وامتنانه لاعدائه ، ويختار هذه الصيغة الغريبة على كل ما سواها من صِيغِ التهجم والقذف والسباب والاتهام والتقريع ...
والسؤال الآن :
لماذا يشكر الانسان أعداءه ؟
أيريد ان يقابل الاساءة بالاحسان مثلاً ؟
أم ان هناك دوافع أخرى ؟
والجواب :
ان الحكيم قد يشكر اعداءه لأنهم كرّسوا جهودهم لابراز مثالبه ومعايبه .
وغالباً ما ينسى المرء عيوبه ومثالبه
وردود الفعل على كشفهم للمعائب والمثالب لا تتمثلُ في الاطناب بذمهم وشتمهم بل بالعمل الحثيث على اصلاح النفس وابعادها عما اجترحَتْهُ مِنْ مساؤى وما وقعت فيه من زلات ...
وهذا هو مقتضى الطموح للتكامل الروحي والأخلاقي والاجتماعي .
-3-
وما يقال في الأعداء يقال في المنافسين غير الورعين الذين يُبيحُونَ لانفسهم توجيه السهام الى كل من يعتقدون أنّهُ عقبةٌ في طريقهم للوصول الى ما يريدون.
مع أنَّ المنافسة شيء والخصومة شيء اخر ، ولكنّ اللهاث وراء حيازة المناصب والمغانم قد يجعلك تنظر الى المنافس وكأنه خصم لَدُود ..!!
-4-
وليس غريبا بعد هذا انّ يقال :
انّ بعض الأعداء ينفعون ويُسْدُون خدمةً لا يقدمها الأصدقاء ، وذلك لأنّ الاصدقاء لا يصارحونك بالحقائق الموجعة، ويحجبون عنك الكثير من المعائب ، وهم يفعلون ذلك لأنّ معظم الناس لا يطيقون الاستماع الى النقد ولا يَحْمِلُونَ النقاد على محمل الناصحين المخلصين .
-5-
وعلينا ان لا ننسى الحكمة الذهبية التي أطلقها الامام جعفر بن محمد
الصادق (ع)
حيث قال :
( أحبُّ اخواني اليّ من أهدى اليّ عيوبي )
وحاشاه من العيوب ..
لقد كانت حكمته رسالة تربوية أخلاقية موجهة لكل واحد منا تدعوه الى الابتهاج بكل من يأخذ بيده للخروج من التخبط والعثار في مساراته ومداراته .