وقد يكون الموهوب أميّاً
حسين الصدر
-1-
اذا كانت الفصاحة اليوم تشكو من الغربة والوحشة لقلة الفرسان من الفصحاء والبلغاء ، فانّ التاريخ يسرد العديد من الأمثلة والشواهد على ان الأمر لم يكن كذلك في العهود السالفة .
وقد احتفظ التاريخ بسجل حافل لأحد اولئك الفصحاء الكبار الذين شاع ذكرهم في الخطباء اللامعين المشاهير مع انه كان أميّا ..!!
-2-
قالوا :
انه خرج مع ابن الاشعث على الحجاج وكان ذلك سببا لقتله على يد السفاح الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي .
-3-
قال ابن الأثير في الكامل سنة 84 هـ :
قَتَلَ الحجاجُ ايوبَ بن القِرّية ، وكان مع ابن الاشعث فلما هُزم ابن الأشعث التحقَ بحوشب بن يزيد عامل الحجاج على الكوفة فاستحضره الحجاج فقال له :
اقلني عثرتي
واسقي رِيقي
فانه ليس جوادٌ الاّ له كبوه، ولا شجاع الا له هبوه، ولا صارم الاّ له بنوه
فقال له الحجاج :
كلا ، والله لأوردنك جهنم .
-4-
ورووا انّ حواراً جرى بينه وبين الحجاج قبل قتله حيث قال له الحجاج :
العرب تزعم أنّ لكل شيء آفةً
قال : صدقت
قال :
فما آفة الحلم ؟
قال :
الغضب .
قال :
فما آفة العقل ؟
قال :
العُجب .
قال : فما آفة العِلم ؟
قال :
النسيان .
قال
فما آفة السخاء ؟
قال : المن عند البلاء .
قال : فما آفة الكرام ؟
قال :
مجاورة اللئام
قال :
فما آفة الشجاعة ؟
قال :
البغي .
قال :
فما آفة العبادة ؟
قال : الفترة .
قال :
فما آفة الذهن ؟
قال :
حديث النفس .
قال :
فما آفة اللسان ؟
قال :
الكذب .
قال : فما آفة المال ؟
قال : سوء التدبير .
قال : فما آفة الكامل من الرجال ؟
قال : العدم
قال : فما آفة الحجاج بن يوسف ،
قال :
اصلح الله الامير
لا آفةَ لِمَنْ كَرمُ حسبُه ،
وطاب نَسَبُه
وزكا فرعه
قال :
امتلأتَ شقاقا
وأظهرتَ نِفافا
اضربوا عُنَقَه .
-5-
والاستهانة بالنابهين والبارعين الموهوبين والاستهتار بدمائهم داء قديم جديد .
وما يلقاه المستقلون اليوم على يد عباقرة المحاصصة هو فصل جديد من تلك العملية البشعة التي تمارس – وبكل قسوة وضراوة - ضد مَنْ يرفض الانتساب الى الجهات السياسية الممسكة بزمام السلطة ويكون جزءً منها يشارك في عمليات فسادها وممارساتها البغيضة .
-6-
نعم إنّ أميّا لا يُحسن القراءة والكتابة قد يفوق بفصاحته وبلاغته أصحاب الدراسات المعمقة ممن أجهدوا أنفسهم في اتقان علوم اللغة والأدب ،
ذلك أنّ الموهبة تتخطى بأصحابها كل المراحل الدراسية المعلومة، وتقفزُ بهم الى القمم العالية ، ولكنهم يُحســــدون ويُحاربون فتحرم الأمة من ابداعاتهم . وهنا تكمن المصيبة .