أوقد شمعة
مازن الحيدري
المكان : مستشفى الراهبات في بغداد حيث أجريت عملية جراحية لوالدي أواسط ستينيات القرن الماضي ،، كنت طفلا صغيرا ومازلت أذكر كف أمي ممسكة بيدي عبر فتحة العباءة السوداء تقودني باتجاهات تختلف عن أتجاه نظراتي التي تحاول استكشاف المكان بشغف وفضول. كان الدفء الذي تشيعه بي تلك المسكة يمنحني شعوراً بالأمان وكأنه حبل المشيمة الذي يمنح الحياة للجنين !!
الممرات والمساحات الواسعة والكراسي ذات اللون الازرق الفاتح وأبواب الغرف المتجاورة، وتلك المصابيح المستطيلة المعلقة في السقوف تشع ضياءً، وبعض أواني الزرع العملاقة التي تشبه حِبَّ الماء الكبير .. صورٌ مدهشة شاهدتها في مستشفى الراهبات التي لم تكن تشبه بيتنا وحارتنا التي كنا نسكن، سرقت نظراتي الى اتجاهات مختلفة، لكن خطواتي كانت تسير نحو ما تقودني اليه كف أمي الممتدة من فتحة العباءة السوداء !!
تَوقفتْ ،،، فوقَفتُ
ورفعتُ رأسي حين افلتت امي يدي لتوقد شمعة عند قدمي تمثال السيدة ذات الوجه الملائكي والمحاطة بالالوان والبخور والشموع، وزاد الموقف رهبة تلك الدموع التي نزلت على وجه امي الذي كنت ومازلت أراه بدرا يشع بنوره وسط عتمة العباءة السوداء !!
كان ذاك الموقف مميزاً جدا لاني تعلمت منه ان الله موجود في أماكن أخرى غير الضريح ذي الباحة الكبيرة الذي كانت تصحبني امي اليه والذي لا يبعد كثيرا عن بيتنا الواقع قرب حضرة الإمام الكاظم .. تعلمت في وقت مبكر من عمري أمراً لم يغادر ذاكرتي الى الان، أن أمي وقتما تحدثت الى الله ،، نزلت دموعها. بإسم دموع الامهات ، أدعوك ربي ان تحفظ الجميع ،، وها انا اليوم أوقد شمعة مثلما كانت أمي تفعل في يوم ميلاد رسول السلام .. عيد ميلاد مجيد وسنة خير وسلام وبركة عليكم جميعا.