هل أتاك نبأ الوزير الصدوق ؟

حسين الصدر

-1-

لا يحظى معظم السياسيين عند عامة الناس بمواقع متميزة ، والسرُّ في ذلك : أنَّ السياسة لا قلب لها – على ما يقال - ، وبالتالي فهم قد يخوضون الغمار غير عائبين بالموازين والضوابط الأخلاقية متى ما كانت مصالحهم تقتضي ذلك .

-2-

وفي طليعة السياسيين الذين يكثر الكلام حولهم (الوزراء) على أنّ ما يقال فيهم لا يصح اعتباره من المسلمات التي لا نقاش فيها ، حيث يدس المغرضون عليهم أخباراً لا حقيقة لها ويتهمونهم شتى الاتهامات بدواعي الحسد والحقد وبدواعي أخرى أحيانا ...

-3-

وجاء عن أبي عمر الأنماطي انه قال :

" ركب ( علي بن عيسى ) الوزير في موكب عظيم ، فجعل الغرباء يقولون :

مَنْ هذا ؟

فقالت امرأة قائمة على الطريق :

الى متى تقولون :

مَنْ هذا مَنْ هذا ؟

هذا عبدٌ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ الله ،

فأبلاه الله بما ترون .

فسمع (علي بن عيسى) ذلك ورجع الى منزله واستعفى من الوزارة وذهب الى مكة وجاور بها ،

أقول :

لقد تأثر الوزير بما قَالتْهُ المرآة ، ولو كانَ ميّتَ القلب لما أكتَرَثَ ولكنه سارع الى اختيار الاعتزال طلبا للنجاة، وهو دليل التمتع بالحس الديني الرهيف والخشية من الله ...

-4-

وجاء في ترجمة الوزير ابي الحسن علي بن عيسى الأريلي ( ت 334) - الذي وزر (للمقتدر) مرتيْن – انه :

" كان كثير البِرّ والمعروف والصلاة والصيام "

وكان صدوقاً ديّنا خيّرا صالحا عالماً من خيار الوزراء "

وقالوا :

كانت غلته السنوية 700 ألف دينار يُنفق منها في وجوه البر ستمائه الف دينار وستين ألف دينار ،

وينفق الباقي على خاصته .

أقول :

وهنا يتجلى الفرق بَيْنَه وبَيْن سياسيْ الصدفة في العراق الجديد حيث أنهم نسوا ماكانوا فيه من بؤس وفاقة ونشطوا في مضمار اكتناز الأموال والاستحواذ عليها بشتى الطرق والأساليب، دون تدقيق وتمحيص في الشرعية وعدمها، كما انهّم نسوا الجياع والمستضعفين والفقراء ولم ير

الناس من بِرّهِم ومعروفهم شيئا ..!!

وهذا ما سجّله التاريخ عليهم ...

وهنا يفترق الصالحون من الوزراء عن الوزراء الشَرِهِين الذين آثروا الدنيا على الأخرة، وانحدرت بهم الذاتية والنرجسية الى السفوح .

انّ عشّاقَ المعروف وَخِدْمةِ الناس لن ينطفئ ذِكْرهم ولن ينساهم التاريخ...

وهنا تكمن العظة .